Logo

القنيطرة السورية بين تحديات البقاء ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي

الرأي الثالث 

 تعيش محافظة القنيطرة السورية تحت وطأة التوغلات الإسرائيلية المتكررة. وبين خطوط التماس وقصص النزوح، تبرز أسئلة عن مصير أرض تتنازعها قذائف ومسيّرات العدو الإسرائيلي من جهة، والإهمال الحكومي السوري لما يجري من جهة أخرى،

 فيما يحاول أبناؤها مقاومة الاحتلال والإهمال، ساعين لجعل القنيطرة رمزاً للصمود السوري. محافظة القنيطرة التي تقع في هضبة الجولان السوري، هي واحدة من أكثر المناطق السورية تضرراً من الوجود الإسرائيلي في المنطقة، 

فمنذ حرب 1967 مرت المحافظة بتحوّلات جذرية، من الاحتلال الإسرائيلي إلى التدمير في 1974، ثم تحوّلت إلى منطقة عازلة تحت إشراف قوات الأمم المتحدة. 

اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تواجه القنيطرة تحديات وجودية، بين التوغلات الإسرائيلية المتكررة، وعلاقتها المتوترة مع الإدارة السورية الجديدة إلى جانب أزمة المياه والكهرباء.

القنيطرة والتوغلات الإسرائيلية

بعد سقوط نظام الأسد، بدأت القوات الإسرائيلية عمليات توغل في القنيطرة مستغلة الأوضاع الأمنية في سورية، ومشروعها ضرب كل الأسلحة والكتائب العسكرية الاستراتيجية للجيش السوري في الجنوب، 

وباشرت بعد ذلك عمليات التوغل في العمق السوري لتخلص خلال مدة أربع أشهر إلى إنشاء 7 قواعد عسكرية داخل القنيطرة، كما أجرت مسوحات سكانية تمهيدا لضم المناطق الزراعية. 

وشنّت إسرائيل عملية عسكرية واسعة بعد سقوط نظام الأسد تحت اسم "سهم باشان"، 

توغّلت خلالها في الأراضي السورية، واحتلت مناطق استراتيجية في القنيطرة ودرعا، بما في ذلك مدينة البعث، وخان أرنبة، وقطنا، والقنيطرة، والجانب السوري من جبل الشيخ، وقرى صيدا الجولان، وعابدين، ومعريا، ونافعة، وكويا، والدرعيات، والبصالي، وعين القاضي، والمقرز، وأم باطنة، وجملة، وسويسة. 

واحتلت اسرائيل 12 نقطة عسكرية في القنيطرة، منها تلول حمراء ومرتفع شارة الحرمون. وأحكمت إسرائيل سيطرتها على 7 سدود رئيسية، هي سد المنطرة (الأكبر جنوب سورية)، وسد الشيخ حسين وسد سحم وسد الوحدة وسد كودنا وسد رويحينة وسد بريقة. 

كما سيطرت على منابع الأنهار مثل نهر اليرموك، مهددة الأمن المائي لسورية والأردن.
 
أما عن التصعيد العسكري والتوغلات البرية فبدأت في يوليو/ تموز 2015 قبل سقوط النظام، والتي بلغت ذروتها بعد سقوط الأسد، حيث توسعت لمساحة 600 كيلومتر مربع بعد سقوط الأسد. 

وشنت اسرائيل منذ سقوط النظام أكثر من 498 غارة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024، دمّرت فيها أكثر من 80% من الأسلحة الاستراتيجية السورية، من القوات الجوية والبحرية. 

ومن حيث البنى التحتية فقد أنشأت قوات الاحتلال 7 قواعد عسكرية جديدة من جبل الشيخ حتى تل كودنة، مع 9 مواقع أخرى مخطط لها. 

إلى ذلك فإن الأهداف التي خلفتها العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية أمنياً هي إقامة "منطقة عازلة" بعمق 25 كيلومتراً. أما بشرياً فأدت إلى مقتل 33 مدنيا على الأقل، وأسر عدد آخر حوالي 20 وأعادت إطلاق سراحهم، وتدمير مرافق حيوية.

في المقابل، لم تتخذ الإدارة السورية الجديدة أي إجراءات ملموسة لدعم السكان الذين تقع مدنهم وقراهم في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها مع استمرار التوغلات الإسرائيلية. 

وفي فبراير/شباط 2025، طالب أهالي القنيطرة الحكومة ببناء مساكن للنازحين في مناطق مثل الصمدانية والحميدية، وتعزيز الوجود الأمني بدون مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وتحسين الخدمات لجذب السكان العائدين، لكن مطالبهم لم تثمر أي فعل على الأرض.

 ويتهم الناشط سعيد المحمد الحكومة بـ"التقاعس"، قائلاً  "إسرائيل تتوغل يومياً، والحكومة تكتفي بإرسال بيانات استنكار. نحتاج دعماً فعلياً ومادياً وقانونياً، وليس خطابات".

وفي غياب رد فعل حكومي على التوغلات الإسرائيلية، وعدم امتلاك الأهالي سلاحاً يواجهون فيه الاحتلال، بقيت المقاومة في القنيطرة للاحتلال مقتصرة على بعض المقاومة المدنية، حيث رفض المزارعون التوقيع على عقود بيع أراضٍ لوسطاء إسرائيليين، كما رفضوا المعونات والعروض الإسرائيلية.
 
كما ساهم التوثيق الإعلامي برصد الانتهاكات عبر وسائل التواصل. بينما وجد بعض الأهالي ضالتهم في مطالبة المجتمع الأممي بفرض عقوبات على إسرائيل وإجبارها على الانسحاب لما بعد خط 1974.

 أما من الناحية العسكرية، فلم تحصل مقاومة واسعة للاحتلال فيما اقتصرت على حادثتين إحداهما عندما حاولت قوة عسكرية معززة بآليات دخول قرية السويسة وقام شبان القرية بطردها عزلا دون سلاح، فيما اشتبك شخصان من ريف القنيطرة الجنوبي قبل شهر على إثر محاولة دورية إسرائيلية اعتقال شخص منهما.

 ويقول محمد البكر "القنيطرة ليست مجرد مدينة مدمرة، بل رمز للصمود السوري. رغم التحديات، يواصل أبناؤها مقاومة الاحتلال والإهمال"، متسائلاً: "لكن هل ستلتزم الإدارة السورية الجديدة بوعودها، أم ستترك القنيطرة وحيدة في معركتها المصيرية؟".

الجغرافيا والسكان

تبلغ مساحة محافظة القنيطرة حوالي 1200 كيلومتر مربع، لكن ثلثيها؛ حوالي 800 كيلومتر مربع، تحت السيطرة الإسرائيلية منذ 1967، بينما يخضع الثلث المتبقي للسيادة السورية، مع وجود قوات أممية في المنطقة العازلة. 

وتتميز المحافظة بموقعها الذي يربط دمشق بفلسطين ولبنان والأردن، مما يجعلها نقطة صراع دائمة، كما تتميز بتضاريس خاصة حيث يحيط بمدينة القنيطرة وسط المحافظة تلال بركانية خامدة، مثل تل الشعار وتل الأحمر، ويحيط بالمحافظة سلسلة جبل الشيخ والتي استُخدمت كمواقع عسكرية خلال الحروب.

أما بالنسبة للوضع الديمغرافي، فتشير آخر الإحصاءات التي وثقت رسمياً عام 2021 إلى أن عدد سكان المحافظة يبلغ 123000 نسمة، لكن العدد الفعلي أقل بسبب النزوح الكبير. وبعد حرب 1967، نزح 350000 شخص من الجولان والقنيطرة، معظمهم استقروا في ريف دمشق ودرعا. 

اليوم، يعيش بعضهم في مخيمات مؤقتة، بينما رفض آخرون الجنسية الإسرائيلية وبقوا تحت الاحتلال في قرى مثل مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة والغجر. 

يقول محمد النهار؛ أحد سكان مجدل شمس، "نرفض أن نكون جزءاً من إسرائيل، نحن سوريون، لكننا محاصرون بين جيش الاحتلال وحكومات دمشق المتعاقبة التي تهملنا، حتى الجديدة منها".
 
الخدمات الأساسية... أزمات متراكمة

تعاني محافظة القنيطرة من أزمة مياه حادة، خصوصاً بعد السيطرة الإسرائيلية على السدود المهمة في وادي اليرموك، أكبر منابع المياه في المنطقة الجنوبية من سورية، حيث سيطرت القوات الإسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد، وتحديداً في يناير/ كانون الثاني 2025، على سد المنطرة، ثاني أكبر سد في سورية، والذي يغذي القنيطرة وريف درعا. 

وكان يخزن 40 مليون متر مكعب من المياه، لكنه اليوم تحت إدارة الجيش الإسرائيلي الذي بات يحدد حصص المياه للسكان، بعد أن قام متعمداً بتخريب شبكات المياه في عدد من قرى وبلدات المحافظة، وفق مصادر أهلية .

كذلك أدى انخفاض منسوب المياه بسبب قلة الأمطار إلى انخفاض كميات التخزين في السدود إلى 26% فقط، مما أثر على الزراعة في المحافظة. 

ويقول المواطن والمزارع سعيد المحمد من القنيطرة "لم أزرع هذا العام بسبب تدني مستوى المياه في سد كودنة، الذي كان يروي أرضي، كما أن سيطرة قوات الاحتلال على المصادر المائية بعد سقوط النظام يزيد الأمر تعقيداً، نحن بحاجة ماسة للمياه، ومزروعاتنا عطشى، وليس هنالك أي تحرك جدي من حكومة دمشق لإنقاذنا".

أما بالنسبة للكهرباء والاتصالات فلا تتجاوز ساعات التغذية الكهربائية في القنيطرة 4 ساعات يومياً، ما يزيد الأمور تعقيداً في الكثير من الحالات، من حيث تعطل المهن وتفاقم وضع الخدمات المائية، 

إضافة إلى استغلال الاحتلال غياب التغذية الكهربائية لتنفيذ توغلاته ليلاً. وفي هذا الصدد، يقول المهندس محمد العلي "انعدام الكهرباء يعيق تشغيل مضخات الآبار، ويمنع الحركة السوقية في المحافظة، فغالبية المهن بحاجة إلى الكهرباء".

ويؤكد مختار خان أرنبة، إبراهيم الجريدة، ما قاله العلي، ويضيف  أن وضع الكهرباء سيئ للغاية وهو الأكثر إسهاماً بتسهيل تقدم التوغلات الإسرائيلية والتي تتسلل في الظلام في القرى والبلدات حيث لا يجرؤ السكان التحرك في مثل هذه الظروف. 

ويلفت الجريدة إلى أن مخاتير ووجهاء المحافظة لطالما قدموا مناشدات للحكومة في دمشق وللجهات الأممية بتحسين أوضاع الخدمات في المحافظة لكن بدون جدوى تذكر. 

أما شبكة الاتصالات في القنيطرة فتغطي بعض المناطق والبلدات الكبيرة، لكنها ضعيفة في القرى الحدودية. فيما تعتمد بعض القرى على أبراج اتصالات لبنانية أو إسرائيلية، مما يزيد من مخاطر الاختراق الأمني. 

ويقول المواطن محمد بكر، إن الاتصالات سيئة للغاية وهنالك تخوفات من انعدامها في الزمن القريب، مشيراً إلى أن بعض السكان استطاعوا عبر أقارب وأصدقاء لهم داخل الأراضي المحتلة ولبنان والأردن تأمين شرائح لاستخدام شبكات اتصالات قوية. 

فيما تستغيث أم أحمد بالحكومة الجديدة في دمشق، وتقول في حديث لـ"العربي الجديد": "نضطر لشراء المياه بأسعار خيالية، والكهرباء لا تأتي معظم النهار، والاتصالات حدّث ولا حرج. والحكومة الجديدة تعدنا بتحسين الخدمات، لكننا لم نر شيئاً حتى الآن".

ضياء الصحناوي
مراسل "العربي الجديد" في دمشق.