Logo

طلاب الجامعات والذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل.. أم رأس الأخطاء القاتلة؟

بالنسبة لكثير من طلاب الجامعات، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من الحياة اليومية.

 مع ذلك، يُمثل التبني اليومي الواسع النطاق لأدواته تناقضاً صارخاً مع ما كان عليه الحال قبل عامين: فعندما طرحت «أوبن إيه آي» روبوت الدردشة الخاص بها للجمهور لأول مرة في عام 2022، أثارت فكرة الذكاء الاصطناعي في البيئات المدرسية جدلاً حاداً حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا في الفصول الدراسية، إنْ استخدمت أصلاً... ولكن وبعد ثلاث سنوات فقط، انتشر استخدامها بسرعة، كما كتبت ماريا خوسيه غوتيريز تشافيز (*).

80 - 90 % من الطلاب يستخدمونه يومياً

أظهرت دراسة وطنية حديثة أجرتها شركة «غرامرلي» Grammarly أن 87 في المائة من طلاب التعليم العالي يستخدمون الذكاء الاصطناعي في دراستهم، و90 في المائة يستخدمونه في حياتهم اليومية، حيث يقضون 10 ساعات أسبوعياً في المتوسط، بينما توصلت دراسة أخرى أجراها مجلس التعليم الرقمي إلى نتائج مماثلة، حيث وجدت أن 86 في المائة من الطلاب حول العالم يستخدمون الذكاء الاصطناعي في دراستهم.

ومع ذلك، لا تزال الكليات لا تطبق معايير موحدة لما يُعدُّ استخداماً مقبولاً للذكاء الاصطناعي وما يُعدّ محظوراً. وفي مختلف التخصصات والجامعات في الولايات المتحدة، اكتشفت «غرامرلي» أيضاً أنه بينما يقول 78 في المائة من الطلاب إن مدارسهم لديها سياسة للذكاء الاصطناعي، يقول 32 في المائة إن هذه السياسة هي عدم استخدامه. وأعرب ما يقرب من 46 في المائة من الطلاب عن قلقهم من الوقوع في مشاكل بسبب استخدامهم الذكاء الاصطناعي.

قلق طلابي مشروع

على سبيل المثال، قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المواضيع المعقدة التي تُناقش في الفصل الدراسي أمراً مقبولاً بشكل عام، لكن استخدام «تشات جي بي تي» لتحرير مقال قد يثير بعض التساؤلات.

المهارة الأكثر طلباً

في هذه الأثناء، وبينما يتفاعل الطلاب مع العالم الحقيقي ويدرسون خياراتهم المهنية، يشعرون بأنهم سيتخلفون عن الركب إذا لم يطوّروا خبرتهم في الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع إتمامهم فترات التدريب، حيث يُقال لهم ذلك وجهاً لوجه. وقد وُصفت معرفة الذكاء الاصطناعي بأنها المهارة الأكثر طلباً للعاملين في عام 2025.

وهذا ما يُثير مشاعر متضاربة بين طلاب الجامعات، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين محاولة اتباع مجموعتين مختلفتين من القواعد في آنٍ واحد.

استطلاع آراء طلاب الجامعات

لفهم مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على حياة الشباب؛ تواصلت شركة «فاست كومباني» مع طلاب جامعيين في جميع أنحاء البلاد لمعرفة كيفية تعاملهم مع هذه المتطلبات المتضاربة. وقد وجدنا أنه مع استمرار تطور التكنولوجيا الجديدة، فإنها تحفر مكاناً لها في حياة طلاب الجامعات - سواءً شاء الكبار (أو الطلاب أنفسهم) ذلك أم أبوا.

وفي هذا المقال المتميز، ستتعرف على:

• الطرق الإبداعية التي يدمج بها طلاب الجيل «زد» الذكاء الاصطناعي في حياتهم ليصبحوا بارعين فيه، حتى لو لم يتمكنوا من استخدامه في دراساتهم. والجيل زد (Generation Z) هم الأفراد الذين وُلدوا بين منتصف التسعينات وأوائل العقد الثاني من الألفية، وعادةً ما يمتد تاريخ ميلادهم بين عامي 1997 و2012. ويتميز هذا الجيل بكونه الجيل الرقمي الأصلي.

• لماذا بدأت شعبية الذكاء الاصطناعي بصفته مساعدَ برمجة تُغير نظرة الجامعات إليه في الصفوف الدراسية؟

• كيف يُحقق الطلاب الحاليون والجدد التوازن بين أساليب التعليم التقليدية والحديثة؟

رفيق يومي

• استخدام الطلاب «تشات جي بي تي»:

- مات كوبر، لاعب جامعة ولاية أوهايو، اكتشف طرقاً جديدة لدمج التكنولوجيا في حياته. يقول: «لقد ساعده الذكاء الاصطناعي بشكل لا بأس به، بطرق لا يتوقعها الناس عادةً»... من إنشاء نوتات موسيقية، إلى مساعدته في حفظ السلالم الموسيقية الكبرى وقراءة المفاتيح، أصبح «جي بي تي» مدربه الافتراضي الموثوق. يقول: «في غضون 20 ثانية، يمكنه إنشاء نوتة موسيقية كاملة للتدرب على أي مستوى صعوبة»، وعلاوة على ذلك، يقوم روبوت الدردشة بكل ذلك مجاناً.

- كايتلين كونواي، طالبة في السنة الأخيرة بجامعة لويولا ماريماونت في لوس أنجليس، عادت إلى الجامعة بعد فترة تدريب بدوام كامل في مجال التسويق، وجدت أن الحياة الجامعية أشبه بصدمة ثقافية عكسية بعد خروجها من سوق العمل. لكنها وجدت روبوتات الدردشة سهلة الاستخدام مثل «جي بي تي» مفيدة في إضافة المزيد من التنظيم لأيامها. تقول كونواي: «أستخدمه لإنشاء جدول زمني. على سبيل المثال: (أريد هذا القدر من الوقت للدراسة، ولأداء واجباتي المدرسية، وحضور حصة يوغا)، وسيُخرج لي جدولاً زمنياً سهلاً لأتبعه».

- مليحة محمود، طالبة في السنة الأخيرة في إدارة الأعمال والإعلان بجامعة فلوريدا، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتبسيط المهام اليومية خارج الفصل الدراسي. تطلب من «جي بي تي» إعداد سلسلة من الوصفات باستخدام المكونات المتبقية في ثلاجتها (بدلاً من الاعتماد على الوجبات سريعة التحضير كما فعلت أجيال من طلاب الجامعات قبلها). أما في المدرسة، فتعتمد مليحة على الذكاء الاصطناعي بصفته معلمة خاصة، مستعدة للإجابة عن الأسئلة في أي وقت. تقول: «أطلب من الذكاء الاصطناعي أن يُبسّط لي مفهوماً ما كما لو كان يتحدث إلى طالب في المرحلة الإعدادية لفهمه بشكل أفضل».

أدوات «غوغل» و«مايكروسوفت»

• استخدام «غوغل نوتبوك» الذكي. كما ذكر كثير من الطلاب أداة Google Notebook LM، وهي أداة ذكاء اصطناعي تساعد في تحليل المصادر التي تُحمّلها، بدلاً من البحث على الإنترنت عن إجابات. يمكن للطلاب تحميل ملاحظاتهم وقراءاتهم المطلوبة ومذكراتهم على المنصة، وطلب من «نوتبوك إل إم» إنشاء ملخصات صوتية مخصصة بأصوات بشرية.

ومع ذلك، غالباً ما كانت اداة الذكاء الاصطناعي تُدرّس خارج الفصول الدراسية، في بيئة العمل. يقول كثير من الطلاب إنه لم يُسمح لهم باستخدام الذكاء الاصطناعي فحسب، بل شُجِّعوا على استخدامه خلال فترة تدريبهم. وتقول أنيكا تشاكرافارتي، طالبة في السنة الأخيرة بجامعة نيويورك، إنها شعرت في أول تدريب لها في شركة علاقات عامة متخصصة في التكنولوجيا، بأنه «لكي تكون شخصاً ناجحاً، عليك أن تُتقن الذكاء الاصطناعي؛ لذا هناك توتر في هذا الجانب أيضاً».

وتتفق مليحة محمود مع تجربة تشاكرافارتي. وتقول: «خلال فترة تدريبي، شُجِّعت على استخدام الذكاء الاصطناعي». «في البداية، ظننت أنه بديل، أو أنه لا يسمح لنا بالتفكير النقدي. (لكن) كان موفراً للوقت بشكل كبير».

• استخدام «مايكروسوفت كوبايلوت». استخدمت مليحة محمود برنامج Copilot من «مايكروسوفت» لنسخ الاجتماعات تلقائياً، وتدوين الملاحظات، وإرسالها إلى المشاركين - وهي مهام كان المتدربون يقومون بها يدوياً في الماضي. كل هذا بعيد كل البعد عن الطريقة التي رُوِّض بها طلاب الجامعات للنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه سبباً محتملاً للطرد.

ماضٍ وحاضرٍ متقلبان

نشأ جيل الجامعات اليوم على قلق الانتحال. كان عالمهم قبل اختبار «جي بي تي» يتضمن إعادة التحقق من الاستشهادات واللجوء إلى برامج التحقق من الانتحال عبر الإنترنت.

يقول غرانت دوترو، خريج الاقتصاد والاتصالات حديثاً من كلية ويتون في إلينوي: «كنت أقول لنفسي: (لا أريد التطرق لهذا؛ لأنني لا أريد أن أُتهم يوماً بالانتحال). بالتأكيد، قد يُنظر إليه على أنه أمر محظور للغاية».

على الرغم من أن أكثر من نصف الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل روتيني الآن، فإنه لم يكن دائماً موضع ترحيب - خاصة للطلاب الذين بدأوا دراستهم الجامعية دون استخدام الذكاء الاصطناعي. أعرب معظم الطلاب الذين تمت مقابلتهم عن ترددهم في البداية تجاه الذكاء الاصطناعي؛ بسبب ذلك الخوف المعروف من التعرض للانتحال.

لعقود، أُخبر الطلاب أنهم قد يواجهون عواقب وخيمة عند استخدامهم الإنترنت لتنزيل مقالات جاهزة، أو نسخ مواد من كتب أو مدونات، وغيرها. ومع تقدم التكنولوجيا، ازدادت فرص الانتحال، لا سيما مع ظهور خدمات مثل TurnItIn، التي تُحدّد المصادر المنسوخة وغير المُستشهد بها في المقالات.

على الرغم من أن الكليات تمكنت من اللحاق بوضع الإرشادات المناسبة، فإن السياسات غالباً ما تكون مُقيدة أو غير واضحة أو متروكة للمدرسين. بالنسبة لكثير من المعلمين، فإن سياسات الذكاء الاصطناعي في فصولهم الدراسية ليست شاملة؛ ما يُربك الطلاب وقد يُوقعهم في مشاكل عن غير قصد.

وبالنسبة للطلاب الذين تعتمد سياستهم على أساس كل مُدرّس على حدة، قد يعني هذا أحياناً أن الطلاب الذين يدرسون المقرر الدراسي نفسه، ولكن مع أساتذة مختلفين، قد تكون لديهم تجارب مختلفة تماماً مع الذكاء الاصطناعي، على الأقل في الفصل الدراسي.

غموض السياسات الدراسية

تقول جيني ماكسويل، رئيسة قسم التعليم في «غرامرلي»: من غير المفهوم أخلاقياً بالنسبة لي ألا تُولي مؤسسة كبيرة اهتماماً بالغاً لتحديد سياساتها، والتأكد من اتساقها داخل الأقسام». وأضافت: «نظراً لعدم وضوح المؤسسة بشأن سياستها؛ فإن طلابها يتضررون بسبب هذا النقص في التواصل».

في حين يبدو أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس يتراجع تدريجياً بين الطلاب، فإنه يتراجع بالتأكيد في بيئة العمل. قال بعض الطلاب الذين أكملوا تدريباً عملياً أخيراً إنه لم يُسمح لهم باستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل فحسب، بل شُجِّعوا على ذلك أيضاً (وبالفعل، يُوصي الخبراء الخريجين الجدد بتطوير مهاراتهم في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما يقول واحد من كل ثلاثة مديرين إنهم سيرفضون توظيف مرشحين لا يمتلكون مهارات الذكاء الاصطناعي).

طريقة جديدة للتعلم

إن الرسائل المتضاربة حول أن «الذكاء الاصطناعي يُوقعك في المشاكل» وأن «الذكاء الاصطناعي هو المستقبل» تُعقّد وجود التكنولوجيا في حياة طلاب الجامعات، سواءً في الصف الدراسي أو خلال التدريب أو في السكن الجامعي. ولكن بالنسبة للكثيرين، تُغيّر هذه التكنولوجيا ببساطة شكل التعلم.

على سبيل المثال، ربما كان إطار تقييم نجاح الطلاب يعتمد على المقالات في الماضي. ولكن اليوم، قد يكون من الأنسب تقييم كلٍّ من المقالة وعملية الكتابة باستخدام التكنولوجيا، كما تقول ماكسويل.

أما الكثير من الطلاب فيقولون إن المعايير تتغير لقياس تعلمهم بالفعل. وأوضحت كلير شو، طالبة الهندسة السابقة في جامعة تورنتو التي تخرجت عام 2024، أنها عندما بدأت دراستها الجامعية، تعلمت أساسيات البرمجة في الوقت نفسه الذي أثار فيه الذكاء الاصطناعي اهتمام أساتذتها. تعلمت بالطريقة «التقليدية» بينما شجعها بعض معلميها على تجربة التقنيات الحديثة. ومع ذلك، لم تبدأ شو باستخدام الذكاء الاصطناعي في المدرسة إلا في عامها الرابع. الآن، تعتقد أنه يمكن تحقيق التوازن بين المدرسة القديمة والمدرسة الحديثة. تقول شو: «يُسمح لك باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي؛ لذا فقد تم رفع مستوى هذا النوع من مهام البرمجة». يشير هذا إلى تحول كبير: في الأوساط الأكاديمية، حيث كان الذكاء الاصطناعي (وفي كثير من الحالات، لا يزال) محظوراً، يتم تبنيه أيضاً، حتى في الصف الدراسي.

تعلم المهارات الأساسية... قبل الذكاء الاصطناعي

ولكن الآن بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي أداة متوقعة، فقد زادت صعوبة مهام البرمجة، كما تقول؛ ما أدى إلى مشاريع أكثر تقدماً في مرحلة مبكرة من حياة الطالب المهنية. وبينما قد يكون هذا مثيراً، ويمثل تحضيراً رائعاً للمستقبل، لا تزال شو تُسلّط الضوء على ضرورة فهم الأساسيات - المهارات التي تتعلمها بنفسك دون مساعدة الذكاء الاصطناعي - قبل الاندفاع. وأوضحت قائلةً: «هناك لحظات معينة لا نزال نحتاج فيها إلى اختبار المهارات الأولية لشخص ما من خلال إعداد بيئات لا تتوفر فيها أدوات الذكاء الاصطناعي»، في إشارة إلى الامتحانات الشخصية التي لا تتوفر فيها أدوات الذكاء الاصطناعي.

تخيل الأمر كما لو كنت تتعلم قيادة السيارة ذات ناقل الحركة اليدوي، بينما توجد السيارات الأوتوماتيكية - فدمج الذكاء الاصطناعي مع أساليب التدريس التقليدية قد يُنشئ تعليماً أكثر شمولية. وبالمثل، بالنسبة لطلاب العلوم الإنسانية، يقوم بعض المدربين بتدوين ملاحظات من الكتب القديمة لقياس هذه «المهارات الأولية»، مثل المناظرة والتواصل والتفكير النقدي أو كتابة نصوص بخط اليد.

يعلم طلاب الجامعات أن الذكاء الاصطناعي لن يختفي. على الرغم من أن الجميع - طلاباً ومعلمين ومدارس ومديرين - لا يزالون يتعثرون في طريقهم نحو تبنيه، فإن بعض جوانب تجربة الدراسة الجامعية قد لا تُنسى.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات«تريبيون ميديا»