شح المياه يفتك بتعز.. واتفاقية برعاية أممية لحل الأزمة
توصلت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في مدينة تعز والحوبان إلى اتفاق فني لإدارة منظومات إمدادات المياه بشكل مشترك،
إذ تعد الاتفاقية خطوة مهمة نحو استعادة الخدمات الأساسية في واحدة من أكثر المحافظات اليمنية معاناة من شح المياه، ما سيخفف من معاناة مئات الآلاف من السكان.
ومن المتوقع أن يسهم هذا الاتفاق في إعادة ربط شبكات المياه والصرف الصحي في محافظة تعز واستعادة خدمات أساسية كانت معطلة منذ ما يقرب من عقد من الزمان نتيجة النزاع والانقسام المؤسسي.
يأتي ذلك بينما تستمر الأزمة في التصاعد بمدينة تعز جنوب غربي اليمن وسط ارتباك السلطة المحلية التي تقف مكتوفة الأيدي في انتظار أي مبادرة حكومية لمواجهة الأزمة المستفحلة التي تجاوزت قدرات السكان على تحملها،
وسط بروز متنفذين يتاجرون بعطش الناس من خلال تحكمهم بمنابع المياه وآبارها، والتسبب بارتفاع تكاليفها،
حيث تعتمد عليها "وايتات" بيع المياه في تعبئة الصهاريج المحملة على الشاحنات، التي يشتريها المواطنون بتكاليف مرتفعة، مع تصاعد أسعارها التي زادت بنسبة تتجاوز 100% منذ مايو/ أيار الماضي 2025.
في هذا الصدد، يقول المواطن عبد الله الشرعبي إن هناك متاجرة بشعة بعطش الناس وحاجتهم، حيث وصل سعر 1500 لتر من الماء إلى أكثر من 21 ألف ريال.
من جانبه، تحدث توفيق العاقل ، قائلاً إن سكان تعز لم يشهدوا مثل هذه الأزمة بهذا الشكل منذ فترة طويلة، بالرغم من كونها أزمة مزمنة تعاني منها المدينة منذ عقود.
وتعتمد مدينة تعز على ستة حقول في إنتاج المياه منتشرة في ضواحي المدينة، منها ثلاثة حقول واقعة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون شرقي تعز،
تؤكد مصادر محلية ومختصون جيولوجيون أنها كانت تغطي نسبة كبيرة من احتياجات السكان، حيث تُقدر كمية إنتاجها بنحو 18 ألف متر مكعب،
فيما وضع نافذون يدهم على الآبار المنتجة في الضواحي الغربية للمدينة، مع تراجع الكميات المنتجة من جميع الحقول بنسبة تزيد على 40% بسبب الجفاف وشحّ الأمطار.
معلوم أن جميع الآبار المنتشرة في الحقول الستة والمقدر عددها بنحو 80 بئراً لم تكن كافية لتغطية الاحتياجات المقدرة من قبل وزارة المياه والبيئة في الحكومة المعترف بها دولياً.
ويقول الباحث الاقتصادي وفيق صالح : المشكلة الأساسية أن الأحواض المائية التي تغذي مدينة تعز بالمياه تقع في الحوبان ومنطقة الحيمة بالتعزية، وكلها خاضع لسيطرة الحوثيين، حيث أُوقِفَت إمدادات المياه للمدينة من بداية الحرب في عام 2015.
ويضيف أن "الناس رجعت لآبار مناطق الضباب وعصيفرة الواقعة في مدينة تعز، لكنها لا تلبي جميع احتياجات المدينة من المياه بسبب زيادة الإقبال من قبل "الوايتات" (الصهاريج المحملة على الشاحنات)، على آبار الضباب على وجه التحديد، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 100%، الأمر الذي فاقم من حدة الأزمة".
انخفاض إنتاج المياه في اليمن بسب الحرب
ويوضح مختصون أن الحرب والحصار الذي فرضه الحوثيين على المدينة من ضاحيتها الشرقية في الحوبان قبل فتح الطريق المغلق منذ نحو عام، تسببا في انخفاض حجم إنتاج المياه خلال 8 سنوات من 5 آلاف إلى 3 آلاف متر مكعب في اليوم، ومن حوض المدينة فقط،
فيما قد تكون بقية الحقول والأحواض منها الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين قد استنزفت بالكامل.
ومن هؤلاء الباحث المختص في تدقيق البيانات والمعلومات فاروق مقبل، الذي يؤكد ، أن مشكلة المياه في تعز قديمة متجددة،
حيث يعرف الجميع أن تعز تعاني أزمة حادة في المياه منذ فترة حكم صالح وليس من اليوم، وأن أغلب الآبار التي تغذي المدينة بالمياه مالحة، وهذه أزمة أخرى إضافية.
ويتابع: لكن السلطات الحالية حصلت على منح بملايين الدولارات على أساس تنفيذ مشاريع لتخفيف أزمة المياه في المدينة،
غير أن المشكلة هنا أن هذه المشاريع التي نُفِّذَت سيطرت عليها جماعات السطو المسلح، وعملت على المتاجرة بالماء بدلاً من ضخه إلى الخزانات الرئيسية في المدينة وضمان وصول المشروع إلى كل منزل.
وبحسب مكتب التخطيط والتعاون الدولي الحكومي في تعز، فإن تدخل المنظمات في قطاع المياه والإصحاح البيئي بلغت تكلفته 51 مليون دولار أميركي خلال الفترة (2019-2020)،
وهو ما يشير وفق خبراء اقتصاد إلى تبديد مبالغ كبيرة لمواجهة أزمة المياه دون أن يلمس المواطن أثراً حقيقياً لمواجهة الأزمة.
وكان رئيس البرلمان المنقسم بين طرفي الصراع وأعضاؤه، قد ناشدوا رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التدخل العاجل والسريع لحل مشكلة انقطاع المياه داخل مدينة تعز،
حيث أصبح المواطن يعجز عن توفير شربة ماء له ولأسرته، مع انعدام الكهرباء العمومية نهائياً فيها، ما جعل الوضع كارثياً على المستويات كافة.
بدوره، طالب رئيس الحكومة، سالم بن بريك، قيادة المحافظة، وبصورة عاجلة، في أثناء تفاقم الأزمة بالتزامن مع تعيينه في منصب رئيس الحكومة المعترف بها دولياً، موافاته بتقرير تفصيلي بكل الحيثيات التي أدت إلى تفاقم أزمة المياه في مدينة تعز،
والإجراءات الطارئة التي قامت بها السلطة المحلية لمواجهة الأزمة الحاصلة، بما فيها الاستفادة من الموارد المتاحة والآبار الإسعافية التي حُفرَت خلال فترة الحرب، وأسباب تعثر مشروع المياه الذي أُعلن خلال عام 2023، مشفوعاً بالمقترحات والمعالجات اللازمة لإنهاء الأزمة وضمان عدم تكرارها.
محمد راجح