"المَنيّة ولا الهويّة" أهالي الجولان المحتل: لا حقّ يعلو وحدة سوريا وحرّية فلسطين

 لا يُعَدُّ يوم 14 شباط/فبراير من عام 1982، يوماً عاديّاً في تاريخ سوريا، ولا في تاريخ الجولان المحتل، حيث تصدّى السوريون هناك يومها، لقرار الكنيست الإسرائيلي الباطل، الذي قضى بضمّ الجولان، عبر إعلانهم إضراباً شاملاً مفتوحاً، رفعوا فيه شعار "المنيّة ولا الهوية"، رفضاً لفرض الهوية الإسرائيلية وتمسّكاً بانتمائهم للوطن سوريا.  

فما كان من الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن فرض حصاراً عسكرياً مُشدّداً على الجولانيّين، ومنع وصول المواد الغذائية لهم، وقطع الكهرباء عنهم للضغط عليهم وإجبارهم على إنهاء الإضراب.

لكن أهل الجولان واجهوا الحصار ببسالة، وخاضوا مواجهاتٍ عنيفة مع سلطات الاحتلال، التي اقتحمت عدة قرى ونكّلت بالناس.

وبعد أكثر من خمسة أشهر من الإضراب، اضطرّ الاحتلال الإسرائيليّ، إلى الاستجابة لمطالب الأهالي، والتراجع عن مخططاته بفرض "الجنسيّة الإسرائيليّة" على أبناء الجولان السوري المحتلّ.

الجولان عربي سوري

يَحرصُ أبناء القنيطرة المُحرَّرة والجولان السوري المحتل، على إحياء هذه المناسبة سنوياً معاً، غير مكترثين للوادي المزروع بالألغام الذي يفصلهم.

تنقل نسمات الهواء كلمات المواطنين الموجودين عند موقع عين التينة، ليردّ عليهم الأهل في مجدل شمس المحتلّة عبر مكبّرات الصوت.

يُنهي الشّيخ نواف البطيحش كلمته ويقول: "لا زلنا اليوم وبعد 56 عاماً من الاحتلال، نؤكد وحدة سوريا بما فيها الجولان أرضاً وشعباً، ولا زلنا نسعى جاهدين بكامل قوانا وإمكانياتنا، للمحافظة على هويّتنا التي لم ولن تكن يوماً إلا عربيّة سوريّة، مهما كانت الضّغوط التي تُمارَس علينا، ومهما صدر من قرارات ومهما كانت التّضحيات".

يشير الشيخ البطحيش إلى أنّ "السّاحات التي أحرقنا فيها ما تُسمّى بالهوية الإسرائيلية عام 1982، لا تزال إلى اليوم ترفع علم سوريا وستبقى، لكن الاحتلال لا يملّ ولا يكلّ من محاولاته التهويديّة، التي تستهدف على وجه الخصوص الأجيال الجديدة، إن كان في المدرسة أو العمل وغيرها من شتّى مجالات الحياة، نحن نستمدّ من دمشق القوة والعلم، وعودة ذهاب أبنائنا للدّراسة في الجامعات السوريّة، هو الحلُّ الوحيد الذي من الممكن أن يساعدنا على هزيمة مشروع أسرلة أطفالنا".

سلاحنا المقاومة.. ولا شيء غيرها

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بتقديم الدعم للمجموعات الإرهابية المسلحة، وإقامة المستوطنات، بل جعل الجولانيّين يواجهون اليوم، محاولاتٍ تهويديةٍ جديدةٍ، مُغلّفة بلبوس مشاريع الطّاقة النظيفة، يتحدث عنها الشيخ البطحيش قائلاً: "مشروع التّوربينات الهوائية واحد من أخطر المشاريع الاستيطانية، حيث يتضمّن الاستيلاء على نحو 6000 دونم من الأراضي الزراعيّة، تتوزع بين بقعاثا ومسعدة ومجدل شمس، بهدف تحويل الجولان إلى ما أسمته حكومة الاحتلال بعاصمة تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وكل ذلك على حساب الأراضي العربية السورية".

يؤكّد البطحيش أن الاحتلال يُنفذ مخطط التوربينات، أمام أعين قوات الأمم المتحدة (اليوندوف)، وأمام المجتمع الدولي.  ويشرح: "القطاع الزراعي هو عمدة صمود أهل الجولان، ومحاصيلهم من الكرز والتفاح هي التي تؤمن معيشتهم واستقلالهم الاقتصادي، لذلك مصادرة أراضيهم لأجل هذا المشروع، تهدف إلى حصارهم وتهجيرهم، عدا عن التّأثيرات الصحية والبيئية الخطيرة على السكان والطيور".

ينظر الشيخ الخمسيني، إلى طفلٍ يحمل صورة للشهيدين تحرير محمود ومدحت صالح، الّذَين اغتالهما الإحتلال الإسرائيلي منذ عدة أعوام، يبتسم ويقول: "نحن هنا موقنون، أن السلاح الوحيد للحفاظ على هويتنا وحقوقنا، هو المقاومة.. ولا شيء غير المقاومة".

دائماً كنا والفلسطينيين معاً

"لم نكن بعيدين عن فلسطين، ولم تكن فلسطين بعيدةً عنا يوماً، أبداً"، بهذه العبارة تصف لمى يونس العلاقة بين الأشقاء في الأرضين المحتلتين.

بكل حزن وألم تتابع الشابة الجولانية العائدة حديثاً من ألمانيا بعد إنهاء دراساتها العليا، أخبار الإبادة المستمرة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي غزة، وتقول: "لقد تشاركنا في كل محطاتنا واستحقاقاتنا التاريخية، بدءاً من خلايا العمل الفدائي للثورة الفلسطينية، مروراً بالسجون الإسرائيلية، وليس انتهاءً بانتفاضة الحجارة والإضراب الستيني الذي نحيي ذكراه اليوم، حتى أنّهم يأتون كل عام لشراء محصول الكرز منّا، في محاولة منهم لدعم صمودنا بوجه سياسة التضييق الإسرائيلية".

تروي ابنة الجولان، ما سمعته من جدتها عن الإسناد المتبادل بين الفلسطينيين والجولانيين قائلة: "نتيجة الحصار العسكري الذي فرضه الاحتلال علينا وقتها، عانى أهلنا وأجدادنا من القتل والاعتقالات والنقص الشديد في الغذاء والدواء، فجاءت القوافل إلينا من كل فلسطين، ونحن أيضاً في انتفاضة الحجارة، خرجنا في تظاهرات داعمة، وتوجهت سياراتنا المحملة بكل ما تيسر لنا، خصوصاً الخبز والتفاح، إلى غزة والقدس، وكل مكان استطاعت الوصول إليه وكسر الحصار عنه".

الغياب القسري للسيادة الوطنية في الجولان بسبب الاحتلال، جعل القيادات تتنبّه مبكراً لأي ثغرة قد يستغلها المحتل في دعوة الجولانيين للتفريق بين واجباتهم الدينية والوطنية، وهو ما بينته الوثيقة الوطنية المعتمدة منذ الثمانينات حتى الآن كمرجعية قانونية ودينية تشرحها لما: "هناك بند رئيسي يحتّم استعمال سلاح الحرمان الديني والاجتماعي الذي ينص على قرار لا رجعة فيه، بأن كل من يتجنّس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا، ومن نسيجنا الاجتماعي، ويحرّم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقرّ بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية".

وعلى الرغم من كل مشاريع الأسرلة، العسكرية والناعمة التي تتلخص بمناهج تعليم ومشاريع ثقافية فإن البيوت الجولانية تصمد وتواجه بكل إمكانياتها، إذ أن "أضعف الإيمان هو مواصلة رواية التاريخ والحقيقة لأبنائنا وحثهم على التمسك بهويتنا وعدم الاستسلام لواقع الاحتلال" بحسب لما.

المنيّة ولا "الهويّة"  

لا تفوّت مريم ظاظا فرصة الذهاب إلى قرية عين التينة في مثل هذا اليوم من كل عام، لحضور المهرجان المهيب الذي يقام على طرفي الحدود المصطنعة.

تشير الشابة العشرينية إلى الشريط الحديدي المكهرب الذي يسوّر حقل الألغام بعيد المدى وتقول: "ها أنا أقف في المكان الذي كان يقف فيه أهلي، حين كانوا يتحدثون لأقاربهم في مجدل شمس المحتلة، عبر مكبرات الصوت ويشاهدونهم عبر المناظير المقربة".

صحيح أن هذه المظاهر تلاشت تقريباً اليوم بسبب تطور طرق الاتصال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ابنة القنيطرة لا تزال تشعر برهبة كبيرة عند وقوفها أمام وادي الصراخ الذي سمي بذلك "نسبة إلى الضجيج الذي كانت تحدثه أصوات الأقارب من الطرفين، إذ إنه على مدى أعوام طويلة، كان هذا الوادي الشاهد الحي على مآسي آلاف العائلات السورية، التي أذاقها الاحتلال لوعة الفراق والتهجير، حتى أن الناس يقولون إن امرأةً لم تر ابنها لأكثر من 30 عاماً، وعندما سمعت صوته ماتت عند هذا الشريط".

تؤمن مريم أن أهل الجولان المحتل هم الأكثر قرباً من الفلسطينيين، لأنهم يرزحون تحت المحتل نفسه، ويقاومون جبروته ووجوده بكل ما لديهم، وتقول: "أنا ابنة القنيطرة، وأعرف تماماً كم الجهد والأسلحة والأموال التي بذلت من أجل تغيير بوصلتنا وحرفنا عن القضية الأساسية، لكنني هنا لأقول كما قال أجدادي.. المنية ولا الهوية، المنية ولا الهوية".

* سارة سلوم