"بلا عنوان": حيث لم يعد من وصف للحرب السوريّة

 "بلا عنوان" هو عنوان معرض الفنان السوري فادي يازجي (1966) في استضافة غاليري "تانيت" في بيروت، يضم مجموعة تناهز 30 عملاً من منحوتات، ورسومات، وحفر نافر بوسائط ومواد متعدّدة، والغلبة فيها التركيز على الحدث اليومي السوري، خصوصاً منه في السنوات القليلة الماضية، بعد أن طعنت الحرب عميقاً في جراح بلده، فكانت أعماله تعبيراً عن تلك اليوميات، والمعاناة المستمرة من دون أفق. 

نصوبه غالباً تتشّح بطبقة من البرونز، تقدم الناس كمخلوقات غير مكتملة النموّ، وكفنان رمزي التعبير، يتمحور عمله الفني حول أشخاص وناس وعواطف إنسانية بحساسية حنينية تجاه الأفراد الذين يتناولهم، أو يلتقي بهم.

في العديد من المعارض، يواجه المشاهد لوحات بلا عنوان، إلى جانب أخرى معنونة، لكن أن يكون معرضٌ بكامله بلا عنوان، وحتى أن يكون عنوانه "بلا عنوان"، إشكاليّة تعبير، ورؤىً، والسبب بنظره، كما قال، أن ما جرى في سوريا، وما يزال يجري، لم يترك للمنطق مكاناً، ولا للعقل إمكانية تفكّر.

اللغة شُلَّت أمام الحدث السوري، ولم يعد بالامكان إعطاء عنوان للأعمال، فكان عنوان المعرض "بلا عنوان"، كما قال.

ويضيف: "لم يعد وضع عنوان ينفع. فكرة العدل مفقودة، ودليل ذلك ما يجري في المنطقة التي تستباح بشكل مهول حيث لا حقوق انسان، ولا عدل ولا إيمان ولا أي قيمة من القيم الانسانية". 

تفيض عواطف يازجي بالانفعال الوجداني وهو يقف مذهولاً أمام الحدث الغزاوي الذي يزيد المعاناة، ويربط الألسنة، فلا يعود الانسان قادراً على التعبير عما يرى ويشعر، وإزاء ذلك يعلق بأننا "نحن نعيش في ظلّ استباحة حقيقية تامة لانسانيتنا، وكرامتنا، وإحساسنا بالوجود، كما نلمس محاولات تغيير للمعتقدات، والإيمان، والمكان، والبلد، أو كل ما يواجهنا كل يوم صباحاً الذي هو استمرار لحياتك وتنفسك".

ويتحدث الفنان السوري عن إيمان أن "هذه الناس التي تركت أرضها ورحلت يجب أن تبقى، وإيمانك بقصص إنسانية تحدث بعيداً عنك بضع كيلومترات وأنت تتفرج عاجزاً عن القيام بأي عمل سوى أن يكون جهدك أقسى".

يتطرق يازجي إلى كل ما يجري في غزة وفلسطين من جرائم لا تغتفر، كما يقول "لا اليوم ولا غداً ولا سابقاً وعندي إيمان كبير أن هذا الحس الجرائمي موجود منذ أن وجدت اسرائيل في المنطقة، وهذا هو الأساس الذي نعيش: ما يحدث في غزة من مذابح يومية هي من سنوات نكبة 1947-1948 وتستمر".

وتتوزع أعمال يازجي في غاليري "تانيت" بين لوحات كلٌّ منها متكوّن من عدة صور مرسومة بطريقة تعبيرية، تعكس وجوه الناس، وعناصر حياتهم من حيوانات ونباتات، لكن الغالب فيها عنصر الوجوه المتألمة، والممزقة، والموحشة، رغم تمظهرها بألوان زاهية.

وتتردّد الأشكال التعبيرية في اللوحات بالمنحوتات، والحفريات النافرة، ويوضح يازجي ذلك بقوله إن: "رسوماتي دائماً دراسة للعامل النحتي، لذلك لا يمكن أن أفصل العمل - اللوحة او الاسكتش، أو الدراسة، والرسوم عن المنحوتة التي دائماً تكون امتداداً لها، والمنحوتة فيها 3 أبعاد بينما اللوحة بعدان، وذلك في ظل مُتَخيّل لدي وهو أي شكل أو ملامح أستغلها تصبح منحوتة".

تظهر بعض أشكالٍ تكعيبية في المعرض، تتماهى أحياناً مع الأعمال وموضوعاتها، لكن يازجي ينفي وجود التكعيب في أعماله "لأن أغلب أعمالي إيحاء وتبسيط حتى بالمنحوتة، لكن الشكل الهندسي لحوامل المنحوتات هو شكل هندسي لا يقصد به التكعيب، ولا صلة له بالأعمال التي هي غالباً تعبيرية".

لا يعثر زائر المعرض على عناصر يمكن وصفها حصراً بالسورية، فالوجوه قد تكون تعبيراً عن آلام ومعاناة موجودة في العالم كلّه بسبب الحروب المتواصلة التي يشهدها العصر منذ أكثر من قرن، لكنّ يازجي يرى الهوية السورية موجودة في كل الأعمال، فــ "ما أشتغله يتناول التعب اليومي، والأساس اليومي في الحياة التي يعيشها السوري، وهناك يأس حتى في الصحن المستباح ودائماً اليأس موجود مثله مثل أي صحن على الطاولة، وهو موجود في يومياتنا، وفي وجوه الناس الحزينة الخاضعة المتكئة على بعضها، ورأسها مطأطأ إلى الأرض رغم وجود ألوان في الأعمال، لكنها ألوان ألم أكثر مما هي ألوان متعة وفرح".

أما عن تردّد الأحداث العالمية ومظاهرها في أعماله، فيقول يازجي إن: "كل ما يجري على الكرة الارضية يمسّني، فهذه حالة إنسانية، فما بالك بفلسطين وسوريا والعراق وكل دول المنطقة، ولذلك تأثير وتبعات، وهناك دور كبير للدول الكبرى في التأثير على المنطقة"، يختم يازجي حواره.

يذكر أن فادي يازجي تنقّل في نشاطه الفني حول العالم، وباتت أعماله الفنية مقيمة في عدة مجمّعات عامة عالمية بما فيها المتحف البريطاني،  ومؤسسة "دلفينا" بلندن، و"معهد العالم العربي" في باريس، و"مؤسسة الأتاسي" في دبي، وأخرى في مختلف العواصم كاسطنبول، والكويت، والإمارات، إضافة إلى مجموعات خاصة في الشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا، والولايات المتحدة، كما قدم العديد من المحاضرات في مراكز فنية متعددة حول العالم.

* نقولا طعمة