الروائية العُمانية د. بدرية الشحي لـ”رأي اليوم”: التجديد جميل ولكنه إن صار أحجية فسد!
حاورها: ناصر أبو عون الدكتورة بدريّة الشحيّ أكاديميّة عُمانيّة تخصصت في الهندسة الكيميائية وكتبت سيرتها الذاتية في تاريخ الأدب العربي والعماني بحروف من المثابرة وحبرٍ من عرق، ووقتٍ من تعبٍ وكدٍ حتى صارت عَلَمًا روائيًا بين نقَّاد الأدب العربيّ شرقا وغربًا واشتُهرتْ بأنها (صاحبة أول رواية نسوية فنية في معمارها وبنيتها السرديّة في سلطنة عمان والمعنونة بـ(الطواف حيث الجمر- بيروت 1999) والتي تنتقد عبرها وبشكل أساس السلطوية الذكورية في العالم العربيّ. وفي روايتها الثانية (فيزياء 1) استلهمت قصة مهاجر عماني في دولة روسيا الاتحادية وحاولت الخروج عن الواقعية قليلا وانتهجت بعض التجديد.. الشحيّ روائية متأنية لا تطلع علينا كغيرها من كاتبات وكتّاب الجيل الجديد كل ستة أشهر برواية جديدة ولكنها تفاجيء قراءها على حين من الدهر بعملٍ سرديّ جديد تثير من خلاله جدلا واقعيًا بين النُّقاد و تُخلِّف كتابتها تأثيرا إيجابيا في ساحات الدرس النقديّ، لكونها متماسكة البناء الفني واحترافية إلى أبعد مدى.. إنها من مواليد مسقط عام 1971 وتفوّقتْ في دراستها منذ نعومة أظافرها، وبعد انتهاء المرحلة الثانوية التحقت بكلية العلوم بجامعة السلطان قابوس وتخصصت في دراسة الكيمياء، وأنهت تعليمها الجامعي بتميّز، واقتدار، ثُمَّ انخرطت في ميدان العمل بإحدى مؤسسات البترول الوطنية التي أرسلتها كغيرها من الرجال والزملاء للعمل في حقول إنتاج النفط بـ(عمق الصحراء) وكان ذلك قبل 18 عاما ولكن مثابرتها واجتهادها في تخصصها كان سببًا وراء إرسال شركة البترول لها في بعثة تعليمية لتواصل دراستها العليا في إحدى الجامعات الأوروبية والبريطانية المرموقة لتنال بعد سنوات من الجهد العلمي درجتي الماجستير والدكتوراه في تخصص الهندسة الكيميائية لتعود بعدها وتلتحق بسلك التدريس في جامعة السلطان قابوس، وهي الآن تواصل بجانب رعايتها لأسرتها مهمة التدريس بدرجة أستاذ مساعد بجوار عضويتها لمجلس الدولة.. وقد التقيناها ودار الحوار التالي:
(1) فن الرواية يحتاج إلى نضج في العمر والتجربة، لذا اعتاد الروائيون أن يبدأوا الكتابة بسن متأخرة، لكنك كسرت القاعدة، ما الذي جعلك تركبين هذا المركب الصعب؟ وكيف كان ذلك؟ وكيف كانت رحلتك مع “الطواف حول الجمر”؟
(***) لقد كتبت لأني يجب أن أكتب.. كنت أقرأ الكثير من الروايات في مراحل عمري الأولى قرأت لنجيب محفوظ وقرأت للمنفلوطي وقرأت لطه حسين والكثير من الأدب المترجم لتشيكوف وتولستوي وهمنجواي. شعرت بأنني أريد أن أكتب مثلهم ولكن عن هموم مجتمعي وعن قضايا المرأة. لم تمنعني التقاليد ولم أنشأ في مجتمع يراني عورة بل وجدت التشجيع وعرفت طريقي للنشر. إنني أريد أن أكتب أكثر وأقرأ أكثر ولكنني مكبلة بالواجبات العملية والأسرية وأنتظر لحظات الانفراج.
(2) في عالمنا المعاصر حدثت نقلة في أساليب الكتابة الروائية، فظهرت ما أطلق عليها الرواية الجديدة، لكنك بقيت مخلصة للكتابة الواقعية، كيف تنظرين إلى هذه الأساليب؟
(***) التجديد جميل ولكنه إن صار أحجية فسد!.. في روايتي الثانية فيزياء حاولت الخروج عن الواقعية قليلا وانتهجت بعض التجديد وتسارعت وتيرة الحكاية فأنتقدها البعض وأحبها البعض الآخر. التجديد يجعل الناس ترتقب العمل لأنها لا تدري ما هو مشروعك الجديد وتتلهف لمعرفة ماذا ستقول. أحب التجديد ولكن في إطار القص والسرد لأن الرواية سلسلة مترابطة وجب قصها قريبا من القلب ليتم تلقيها بمحبة.. انتشرت مؤخرا رواية اللوغاريثمات وهي حكاية مسرطنة باسم الأدب لا واقع لها ولا نسق وانتشر معها ثلة من النقاد يمجدونها ويحللونها كلوحة سوريالية كل في واد. مؤسف أن نجامل في الأدب. رواية اللوغاريثمات ستزول مع الوقت وسيبقى الواقع أبدا قريبا للقلب.
(3) تمثل نسبة المرأة تقريبا – وفق إحصاءات مركز دراسات مشاركة المرأة العربية عام 2012 – 56% من أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي بالسلطنة.. بصفتك تشتغلين بالبحث العلمي والتدريس الأكاديمي ما هي أهم الصعوبات التي تواجه المرأة الأكاديمية على صعيد الحياة الأسرية والعملية؟
(***) العمل الأكاديمي يستهلك الكثير من وقت المرأة والكثير كذلك من صبرها وطاقتها. من وقع تجربتي أشعر بأن الحصول على التوازن بين البيت والعمل هو أمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلا. هناك لابد من قصور في مكان ما وهناك لابد من ضغط نفسي وبدني تواجهه المرأة في هذا المجال يستلزم تفهم الأسرة لواقعها ومعاونتها. كما أن التزام المرأة بواجباتها الأسرية يحرمها من الترقيات الأكاديمية والتي تحتاج لبحوث متواصلة ومطولة خصوصا في المجالات العلمية التي تتطلب قضاء فترات متواصلة في المختبرات والتجارب وهذا ما لا تقدر عليه نظرا لوظيفتها الأسرية. يجب أن تتقبل المرأة أن تصنع أولوياتها وأن تتنازل عن جانب لصالح الجانب الآخر وفي هذا تحد كبير جدا لطموح المرأة.
(4) قضايا المرأة نسج حولها كثير من الأوهام والتخرصات، وطوي فيها كثير من الحقائق، وانساق وراءها أكثر الناس، فعاشوا هاجس المرأة، ومشاكل المرأة، وحقوق المرأة؟ فقَلَّ أن نجد من يسأل بروية وحكمة: هل حقا نعاني مشكلة مع المرأة؟، وهل المرأة تجد نفسها مظلومة مضطهدة؟ هل هذه الضجة لها أساس من الصحة، أم ماذا؟
(***) أوافق بأن مجتمعنا يزين مؤخرا كثيرا لحقوق المرأة اجتماعيا خصوصا مع صعود الكثير من النساء لمراكز قيادية عالية ومع توجيهات عليا لتحسين أمور المرأة فصارت في أحيان كثيرة أقرب للتملق عن الواقع. الكثير من الشعارات المرفوعة لا تطبق ويحزنني أن أجد أن المرأة ما تزال في كثير من مناطق السلطنة مسلوبة الإرادة في أبسط الأمور كالزواج وغيره. ولكنني لا يمكن أن أصفها كمضطهدة فهي تملك بالمقابل حقوق كثيرة مثل التعليم والعمل وقيادة السيارة. يجب أيضا الإشارة بأن الإعلام المحلي ساهم كثيرا في بسط شعارات حقوق المرأة لدرجة تبعث على الغثيان مما سبب ردود فعل سلبية عند المجتمع الذكوري في البلد. الاعتدال في كل شي جميل والمرأة تبقى أنثى يجب أن تدلل ولا تعلو على أكتاف الآخرين لأنها أثبتت بأنها قادرة على الإنجاز.
(5) هل تعتقدين أن رزنامة القوانين التي وردت في أبواب شتى من الدساتير العربية، والقوانين المدنية بالدول الإسلامية أعطت المرأة حقوقها كافة؟
(***) قبل الدساتير فإن المرأة حصلت حقوقها من الدين الإسلامي كاملة مكمله ولكن ما تعرضت له من بؤس في فترات سابقة هو بفعل المجتمع ذاته وبفعل تنازلها عن أبسط حقوقها. ما يحز في النفس أن المرأة تسعى لدمار المرأة في المجتمعات العربية فالأم ترفض لزوجة ابنها ما قد ترضاه لأبنتها. مجموعة من العادات اصطنعها الذل والمجتمع بالسيادة الذكورية. وبرغم أن القوانين الموجودة تكفي في إعطاء المرأة ما تستحق ولكننا لا نملك التطبيق حتى نتخلص من ثقافة الجهل. هناك من يصر على كون المرأة عورة وهناك من لا يجرؤ على نطق اسمها أمام الآخرين خوفا من الملامة، يجب تغيير العقليات التي توارثها الناس من زمن الجاهلية الأولى ولن تنفع التشريعات في تغيير الثقافات ما لم تتغير العقليات البائسة.
(6) وما هي أبرز قضايا المرأة العربية التي تحتاج إلى إعادة نظر، وتحديث بما يتناسب وروح العصر؟
(***) أظن أن أهم قضية للمرأة التي يجب أن نتكاتف عليها هي بناء الثقة في المرأة الخانعة الذليلة، يجب أن نتخلص من بقايا التحطيم النفسي التي اصطبغت بها شخصية المرأة. يجب أن ترفع من إحساسها بنفسها وتسعى للارتقاء بمعرفتها وقدراتها بعيدا عن نعيق الحقوق الذي لا يضع حلولا. كما يجب تأهيل المرأة المدنية المدللة لتحمل المسؤولية البيتية والتخلص من الاتكالية. هناك نوعان من النساء في مجتمعاتنا: امرأة مكسورة الجناح وامرأة متطاولة اتكالية. يجب أن نصنع التوازن ونعيد للمرأة الثقة والأنوثة معا.
(7) في السنوات الماضية، ركّز النقاش الدائر في الغرب، على الجوانب الأكثر بروزا بشأن فلائحة التمييز المتعلّقة باللباس، وتعدد الزوجات، والعنف، والميراث، وغيرها من القضايا تتكرر مرارا وتكرارا، قد أدى إلى التهرب من صلب الموضوع.. كيف يمكن الانتقال من هذه الحلقة المفرغة إلى حلول جذرية؟
(***) تدور الكثير من هذه النقاشات في دوائر سياسية لمآرب أبعد من تحقيق الحق للمرأة هناك الانتخابات الدعائية وهناك الاستعباد بالتحرير وهناك الوصول للمرأة العربية وإقناعها بأن حقوقها ناقصة لممارسة الضغط على الحكومات والمجتمعات بطرق ملتوية. الكثير من قوانين حقوق المرأة والإنسان هي مسيسة ولا يمكن الوثوق في دوافعها الحقيقية. وبما أن السياسة غابة عميقة فلا يمكن الخلاص من حلقاتها إلا عبر اقتناع المرأة بقدراتها الخفية بعيدا عن الأطر والنقاشات.
(8) ما هي أهم التحديات التي تواجه المرأة الخليجية بوجه عام والمرأة العمانية على وجه الخصوص؟
(***) أهم التحديات في نظري هي التخلص من فئة أنصاف المثقفين الذين يؤمنون بقدرات فوق إمكانياتهم والذين ينعقون في مجالس وطنية ذات أهمية ولا يصنعون شيئا غير اجترار الوهم والقضايا المستهلكة. المرأة في هذه الفئة تضر نفسها وتضر سمعة نظيراتها من النساء فتفقد المصداقية وتعمم نظرة قصور الكفاءات النسوية. نريد نساء يحملن هم الوطن ويحملن ثقافة وقدرة تزيل الصورة القديمة وتعزز مكانتها دونما تطبيل.