روسيا - الغرب: هرولة نحو تصعيد مفتوح
«إنّ الغرب قد منح، على الغالب، الإذن لكييف بشن ضربات بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية»، «وموسكو سترد بالشكل المناسب في حال حصول ذلك»؛ بتلك العبارات، عقّب المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الأربعاء، على التقارير التي تفيد بأن القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة،
قد اتخذت قراراً بنقل الحرب إلى مستوى آخر، عبر السماح لأوكرانيا باستهداف عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية الصنع، وتحديداً صواريخ «أتاكمز» الأميركية و«ستورم شادو» البريطانية.
وتأتي «المعطيات» الغربية حول القرار المشار إليه، رغم عدم صدور أي تصريح رسمي بهذا الخصوص من البيت الأبيض، أو من العاصمة الأوكرانية كييف، حيث كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يبحث، جنباً إلى جنب نظيره البريطاني، ديفيد لامي، مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ومسؤولين آخرين، قضية الأسلحة بعيدة المدى، والتي شكلت نقطة خلاف بين كييف وموسكو منذ أشهر.
واكتفى بلينكن بالقول: «نعمل بشكل عاجل لمواصلة ضمان حصول أوكرانيا على ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها»، موضحاً أنه سيتم نقل طلبات كييف إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، اللذين سيناقشانها اليوم الجمعة. وأضاف بلينكن: «لقد تكيفنا وتأقلمنا مع الاحتياجات المتغيّرة، ومع ظروف ساحة المعركة المتغيّرة، وليس لدي أدنى شكّ في أننا سنواصل القيام بذلك مع تطور الأوضاع».
وفي أعقاب الزيارة، شعر المسؤولون في كييف، بالإضافة إلى عدد من المشرعين في الداخل الأميركي، والذين كانوا يأملون في أن يعلن بلينكن، أثناء زيارته، عن التغيير المنتظر في السياسة الأميركية، والمتعلق تحديداً برفع القيود عن استخدام الأسلحة المشار إليها، بـ«خيبة أمل»، رغم الإعلان عن حزم ضخمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا.
إلا أنه، وطبقاً لما نقلت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية عن مسؤولين مطلعين، يبحث البيت الأبيض، بالفعل، «توسيع النطاق الذي يمكن لكييف أن تستهدفه بالأسلحة الأميركية والبريطانية الصنع داخل روسيا»، فيما أفاد مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن بأن الأخيرة لم تتخذ قراراً بعد في هذا الصدد، وهو ما كان أعلن عنه بايدن بنفسه، في تصريحات الثلاثاء، أكد فيها أن القضية لا تزال قيد «البحث».
وإذ نبّه عدد من المراقبين، في غير محطة، إلى أن تردّد الرئيس الأميركي في السماح لأوكرانيا بتوسيع نطاق ضرباتها، يعود بشكل رئيسي إلى تخوّفه من استفزاز روسيا إلى الحد الذي يجعلها تدخل في حرب مع سائر أعضاء «الناتو»، فإن الخطر من «توسع» الحرب ليس السبب الوحيد خلف التردد الأميركي، بل إن عدداً من «نقاط الضعف» التي تعاني منها كل من كييف وواشنطن، يحولان دون اتخاذ بايدن للخطوة المشار إليها.
وفي السياق، أشارت الصحيفة نفسها إلى أن الإدارة الأميركية كانت تجادل، أخيراً، بأن السماح باستخدام الصواريخ ستكون له فوائد تكتيكية «محدودة»، نظراً إلى أن روسيا نقلت أصولها الجوية خارج مدى تلك الصواريخ.
كما أنه، طبقاً لمسؤولين أميركيين، ليس لدى كييف سوى عدد محدود من صواريخ «أتاكمز» لضرب أهداف أساسية داخل روسيا، فيما الولايات المتحدة، من جهتها، لا تمتلك إلا مخزوناً «محدوداً» منها لإعطائها لأوكرانيا.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله إن الإمدادات المحدودة من الصواريخ المشار إليها في مخزون الجيش، تشير إلى أن واشنطن غير قادرة على إعطاء كييف المزيد منها، من دون الإضرار بـ«جهوزية» جيشها.
وبالعودة إلى حزم المساعدات، فقد أعلن بلينكن، الأربعاء، عن مساعدات جديدة بقيمة 717 مليون دولار لقطاع الطاقة الأوكراني الذي دمره القصف الروسي، وتأمين إمدادات مياه الشرب وإزالة الألغام.
أما ديفيد لامي، الذي أكد أن بلاده ستواصل تقديم المساعدة حتى تنتهي حرب «العدوان والإمبريالية الروسية»، على حدّ تعبيره، فأعلن أن لندن ستمنح كييف «مئات» صواريخ الدفاع الجوي، وعشرات الآلاف من ذخائر المدفعية والمزيد من المدرعات بحلول نهاية العام. كما جدّد التزام حكومته بتقديم 600 مليون جنيه إسترليني (710 ملايين يورو) من المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا،
علماً أن كييف كانت قد تلقت، كذلك، «خبراً ساراً» أخيراً، مع إعلان «صندوق النقد الدولي» عن اتفاق يفتح الباب أمام منحها قسطاً جديداً من المساعدات، بقيمة 1,1 مليار دولار.
ورغم عدم صدور القرار الرسمي الذي يتيح لأوكرانيا مهاجمة عمق الأراضي الروسية بعد، فقد نقلت وكالة «تاس» عن بيسكوف قوله «إن العملية بدأت بالفعل»، وإنه تم اتخاذ القرار منذ «وقت طويل» وإن النقاش الدائر حالياً يهدف إلى «التمويه».
وأضاف بيسكوف أنه يمكن التوقع إلى حدّ كبير أن القوات الأوكرانية ستحاول «ضرب المرافق الاجتماعية كما تفعل حالياً»، متابعاً، تعقيباً على التقارير الغربية، أنه «في الوقت الراهن، تقوم وسائط الإعلام ببساطة بحملة إعلامية لإضفاء الطابع الرسمي على القرار الذي اتخذ بالفعل».
ومن جهته، حذر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأربعاء، الولايات المتحدة، من عدم أخذ «الخطوط الحمراء» التي حددتها روسيا على محمل الجد،
مشيراً إلى أن واشنطن لم تعد تستشعر «الردع المتبادل الذي دعم التوازن الأمني بين موسكو وواشنطن منذ الحرب الباردة، وهو أمر خطير».
هجوم كورسك المضاد
تزامناً مع ذلك، وطبقاً لمصادر روسية وأوكرانية، بدأت موسكو، في الأيام القليلة الماضية، هجوماً مضاداً كبيراً في منطقة كورسك الحدودية، تحدّث مراقبون عن أنه جاء نتيجة لـ«استعدادات» كانت تقوم بها روسيا في المدة السابقة.
ولم يقتصر الحديث عن الهجوم المضاد على المصادر الروسية، ومن بينها عدد من المؤثرين الروس الذين روّجوا، على قنواتهم على «تيلغرام»، للعملية،
مشيرين إلى أنّ روسيا سيطرت على «عشرات القرى»، بل إن موقع «ديب ستيت» المقرب من الجيش الأوكراني أكد، بدوره، أن الوضع في كورسك ازداد «سوءاً»، مع بدء العمليات الروسية الهجومية النشطة،
موضحاً أن قوات موسكو تقدمت نحو منطقة سناغوست، من دون الإقرار بسيطرتها عليها.
ومن جهتها، نشرت وزارة الدفاع الروسية مذكرة أشارت فيها إلى أن القوات الروسية صدت هجوماً مضاداً أوكرانياً بالقرب من بلدة أباناسوفكا وأخذت عشرة أسرى حرب،
كما أحبطت، طبقاً للوزارة، «محاولات هجوم في اتجاه مستوطنات تشيركاسكايا وكونوبيلكا وبوركي وفاناسييفكا».
وخلص البيان إلى أنه «نتيجة لذلك، فقدت القوات المسلحة الأوكرانية ما يصل إلى 30 رجلاً بين قتيل وجريح».
ريم هاني