قيم التعايش أساس بناء الدولة والإستقرار والتقدم

البيان التضامني الصادر عن مشائخ وقبائل اليمن المنشور في صحيفة الأيام في 3/7/2023 تضامناً مع الطائفة البهائية والذي جاء في مقدمته " تابعنا نحن المشائخ والعقال من مختلف القبائل اليمنية والمؤمنين بقيم التعايش والأخوة الإنسانية باهتمام وألم بالغين كل تداعيات الحرب والصراع في اليمن والتي أوصلت اليمن إلى هذا الوضع المؤسف الذي تم فيه استهداف مقومات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم تكن القبيلة في اليمن بمنأى عن تلك الصراعات حيث تتعرض لمحاولة تهميش وتعدي على قيمنا وأعرافنا وأسلافنا التي توارثها اليمنيون جيلا بعد جيل منذ الأزل ، ونعتقد أن ما يجري من انتهاكات واضحة لحقوق الأفراد والجماعات والطوائف  الأكثر ضعفاً يجعل قبائل اليمن أمام مسئولية تاريخية في الحفاظ على قيمها ومبادئها القائمة على النجدة و نصرة المظلوم".

البيان الذي ينسجم مع قناعة معظم البشر بأهمية التنوع بمختلف أشكاله، حيث يشكل إحدى سنن الكون الحتمية على هذه الأرض، فتنوع الطبيعة يؤكد تلك الحقيقة في كل زمان ومكان، ويسهم الاختلاف والتنوع بأشكاله المختلفة في خلق تجارب مميزة وفريدة من نوعها، عندما تتواجد مع أشخاص أو جماعات من خلفيات متعددة ومذاهب وأديان متعايشة مع بعضها تنتج ثقافة متنوعة وتجارب مختلفة، سيصبح بالإمكان خلق أفكار أو وجهات نظر تقبل الآخر وتنبذ العنصرية من خلال التواصل المتنامي وتجدد القيم الإنسانية والقبلية التي تعايش معها عامة ابناء اليمن منذ عشرات الآلاف من السنين فاليمن الذي يتمتع بثقافة وحضارة عبرت الحدود وصدرها للبشرية وتعامل مع الديانات السماوية والبشرية عبر منطق الحوار والتعايش والإقناع وليس الإجبار والتعامل مع من يحملوا أفكارا مغايرة من منطق أن الطبيعة البشرية مجبولة على الاختلاف والتنوع فما البشر إلا شعوب وقبائل مختلفة العادات والمعتقدات تتعارف وتتآلف، وعليه فإن الأصل أن لا يشكل الاختلاف تهديداً ولا أن يثير مخاوف، والأصل هو عدم الشعور بالذعر بسبب الاختلاف في الرأي والأفكار.

والاختلاف وجد مع تواجد الخلق وهو حقيقة كونية لا يمكن نكرانها أو المجادلة فيها وهذا الاختلاف جعل التنوع كأنه لوحة فنية تمازجت فيها الألوان والرسومات وتناسقت فأخرجت لوحة بديعة فريدة، يجب الحفاظ عليها وعدم السماح للعابثين بها وخدش ألوانها والتغيير في تناسقها حتى تظهر بلون واحد مسود ومظلم تعمي البصيرة وتسلب العقول وتجلب التخلف والتناحر والاقتتال المدمر الذي نراه اليوم ونعيش فصوله منذ ثمان سنوات.

هكذا كانت اليمن وما زالت قبائلها تؤمن بذلك رغم كل ما حدث ويحدث فهي من صدرت القيم الإنسانية قبل أن تأتي الديانات السماوية، فالأساس الذي بُني عليه التعايش في اليمن تاريخياً هو احترام الاختلاف كما يوضّح البروفيسور عبد الله بالغيث، أستاذ التاريخ القديم في جامعة صنعاء.

«رغم تعدُّد آلهة الإنسان اليمني القديم، إلا أن كل معبود كان يُحترم [من طرف] أتباع المعبودات الأخرى. وحتى لو دخلت منطقة ما في إطار أي دولة، تظل عبادة معبودها المحلي قائمة ولا يتم منعها لحساب عبادة المعبود الرسمي للدولة» لا تعتقد أي طائفة او حزب ان بإمكانها أن تفرض معتقداتها وأفكارها على عامة الشعب وإن شعرت في لحظة ما استقوائها بمقدرات الدولة سيمكنها من ذلك فهذا وهم قد يأتي بنتائج عكسية، لأن الحياة تستمر بتنوع ثقافتها ومعتقدات الجماعات والأفراد.

وباعتبار نشر ثقافة قبول الآخر يحول المجتمع إلى مكانٍ أفضل للعيش فيه وبإمكاننا جميعاً أن نكون أكثر انفتاحاً على الآخرين، واحترام الاختلافات والتشابهات بين جميع أعضاء المجتمع، ومن الواضح أن فوائد التسامح يمكن رؤيتها من خلال احتضان تنوعنا الذي يمكننا من معرفة المزيد عن عالمنا وأنفسنا بدورنا، مما يمكننا من النمو والإزدهار.

لكن ما يحدث اليوم في اليمن عكس هذا، فبدلاً من أن نطور من وضعنا ونحافظ على تراثنا ونحترم تنوعنا ونعلم أجيالنا ثقافة القبول بالآخر لتنتشر هذه الثقافة بين الأطفال أولاً صعوداً إلى الفئات العمرية الأخرى, ويكتمل دور الأهل والمدارس في زرع هذه الثقافة من خلال التربية المتوازنة ووضع مناهج تعليمية جديدة تواكب متغيرات العصر لإعداد جيل واعٍ, لكي ينمو الإنسان حاملاً في تكوينه الفكري والسلوكي ثقافة عصرية تستمد قيمها من حضارة اليمن العريق، يحدث العكس وتُفرَضُ ثقافة دخيلة عبر تعبئة الأطفال بأفكار طائفية ومذهبية والعبث بالمناهج الدراسية بما يخدم فصيل وفكر طائفي وتناقض بين دور الأهل والمدارس وتكرار أخطاء السابقين وغيرها.

لعل ما يتعرض له البهائيين هي صورة مصغرة لممارسات خفية لا تقبل بالتنوع ولا تؤمن بالتعايش وهذا المؤشر الخطير ينذر بكوارث قد تصيب الجماعة الممارسة لهذا الإقصاء أكثر مما يحدث للمقصيين فشعب تعود على التنوع والتعايش لا يمكن أن يقبل بغير ذلك حتى وإن سيطر الجهل والتخلف اللذان يعتبران بيئة خصبة للتجارة بالأديان فهي حالة ومرحلة وقتية قد يفيق الجميع منها من خلال مؤشرات انهيار الحياة السياسية والتعددية التي ساعدت أساسا الطرف الفئوي المسيطر على مقومات الدولة فلم يكن السلاح وحده الذي مكنه من ذلك لولا ممارسة وإقصاء من سبقهم. فهل يتعلم من تلك الأخطاء؟

هنا يجب أن نتذكر مقولة الإمام علي عليه السلام (الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وهي مقولة تتجلى فيها النزعة الإنسانية الخلاقة وتجعل الناس ينظرون لأنفسهم من خلال رابطتين لا ثالث لهما وهما رابطة الاشتراك في الدين ورابطة الاشتراك في الخلق. فإن كان الإمام علي قدوة لمن يحبه فيجب أن يطبق ما قاله وإن كان عبارة عن وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية فهنا ينكشف زيف الشعارات فالباطن عكس الظاهر.

فجميعنا يعرف أن التسامح وقبول الآخر هو المفتاح للأمن والاستقرار والتقدم والحفاظ على الهوية اليمنية التي تعايش تحت ظلها الأجداد منذ آلاف السنين ووجهات النظر التي تحمل التعصب يجب تجاوزها بالحوار وعدم الاعتراض على وجهة نظر الآخرين وممارسة العنف معهم أو الإقصاء وغيره، يجب أن نركز على بناء دولة الديمقراطية والتنوع واحترام الحقوق والحريات لأنها أساس بناء الشعوب والدول.

تضامننا المطلق مع الطائفة البهائية ومع أي طائفة أو حزب أو جماعة أو فرد يتعرض للظلم وللإقصاء والتهميش أو السجن والممارسات التي تقيد حريته والتعبير عن رأيه بما لا يسبب أذى للآخرين أو ينتهك النظام والقانون الذي توافق عليه أبناء المجتمع، فدستور الجمهورية اليمنية يكفل الحرية والتنوع للجميع.

*دبلوماسي وسياسي يمني