الرئيـ.ـسُ الأسـ.ـد.. وحساباتُهُ المصرفيّةُ!!..

-في كلِّ إطلالةٍ للرئيسِ الأسد، تدركُ أكثرَ أنّكَ لستَ أمامَ حالةٍ سياسيّةٍ مرهونةٍ بعنوانٍ سياسيٍّ، أو أمامَ ظاهرةٍ سياسيّةٍ منفعلةٍ، أو مشغولةٍ، بمرحلةٍ سياسيّةٍ محدّدةٍ، وإنّما أنتَ أمامَ جذرٍ فلسفيٍّ عميقٍ، يتعاملُ مع التاريخِ باعتبارِهِ وحدةً واحدةً، وباعتبارِهِ يخضعُ لجملةِ قوانين رياضيّةٍ، لا وجودَ فيها للصدفةِ أو للرغبةِ أو حتّى للأماني..

-لا يعطي الرئيـ.ـسُ الأسـ.ـد اعتباراً للسياسةِ، في معزلٍ عنِ المنطقِ في تحديدِ موقفِهِ منها، ولا يتعاملُ معها من غيرِ أولوياتٍ قيميّةٍ، أولوياتٍ ليستْ مرهونةً بأيديولوجيا، أو محكومةً برغباتٍ وميولاتٍ وتمنّياتٍ، وهوَ لا يقدّمُ السياسةَ على حسابِ قناعاتِهِ، هذهِ القناعاتُ القائمةُ أساساً على حقوقٍ ورئيسيّاتٍ وطنيّةٍ أو قيميّةٍ، لا تتعارضُ مع منظومةِ قيمٍ إنسانيّةٍ مطلقةٍ..

-إنَّ وحدةَ الفكرةِ وتجانسَها بالنسبةِ لديهِ، وابتعادَهُ عن ذرائعيّةٍ سياسيّةٍ آنيّةٍ قلقةٍ، وعن شعورٍ رغبويٍّ تُحرّكُهُ مجموعةُ تهيؤاتٍ أو أمنياتٍ، تجعلُهُ محسوباً على نسقِ المفكّرينَ والباحثينَ والدارسينَ، وبعيداً جدّاً عن وحلِ التناقضاتِ التي يغرقُ بهِ السّياسيّون، حينَ يحاولونَ مقاربةَ أمنياتِهم وطموحاتِهم بواقعٍ ثقيلٍ من المصالحِ الضيّقةِ المشغولةِ على مقاساتٍ سلطويّةٍ عاريةٍ تماماً..

-كما أنَّ الرئيـ.ـسَ الأسـ.ـد لا يتعاملُ مع السياسةِ باعتبارِها أحداثاً ووقائعَ، وإنّما يتعاملُ معها باعتبارِها منظوماتٍ غيرَ مستقلّةٍ أو منفصلةٍ عن مقدّماتِها، أو عن مدخلاتِها التي هي بُنى رئيسيّةٌ منها وفيها، لهذا فهوَ لا يقيسُها بوحدةِ المفرداتِ وجماليّاتِها، ولا يعبّرُ عنها بذلكَ أيضاً، وإنّما يقيسُها بوحدةِ المنطقِ والموضوعيّةِ والواقعيّةِ، وإنْ جاءتْ في أحيان كثيرةٍ، باردةً ومؤلمةً وجارحةً..

-ولا تبدو الأحداثُ لديهِ مستقلّةً عن أسبابِها المنطقيّةِ، ولا يقدّمها من غيرِ فهمٍ عميقٍ لها، في سياقاتِها الطبيعيّةِ التي ساهمتْ في إنتاجِها أخيراً، احتراماً لنفسِهِ أولاً، واحتراماً لمتلقيهِ تالياً، وهي طريقةُ عرضٍ لا يتقنُها السياسيّون كثيراً، فهي متعِبةٌ وغيرُ شعبيّةٍ أو جماهيريّةٍ، كونَها تقومُ على منهجيّةٍ حادةٍ من المحاكماتِ والتقاطعاتِ والاستحضاراتِ المعرفيّةِ العميقةِ..

-كما أنَّ الأحكامَ التي يطلقُها الرئيـ.ـسُ الأسـ.ـد، ليستْ أحكاماً قائمةً على قناعاتٍ يمتلكُها أو يؤمنُ بها فقط، وإنّما هي أحكامٌ منطقيّةٌ تقومُ على عقلٍ تحليليٍّ نظيفٍ، بعيدٍ عن الادعائيّةِ أو الاستعراضيّةِ أو الإنشائيّة، وأنتجتها بُنى موضوعيّةٌ وحقيقيّةٌ، وهو ما لم يقدرْ على إتقانِهِ قادةُ دولٍ ذاتِ إمكانيّاتٍ محدودةٍ، أو قادةُ دولٍ ما زالتْ على أطرافِ حربٍ توازي الحربَ التي حصلتْ على سوريّة..

-إنّ "براغماتيّةَ" الرئيـ.ـس الأسـ.ـد، هي "براغماتيّةٌ" ذاتُ قيمةٍ أخلاقيّة، لهذا تكونُ مواقفُهُ مكلفةً، لكنّها كلفةُ الدفاعِ عن أولوياتٍ وطنيّةٍ، لا تتعارضُ معَ عناوين إنسانيّةٍ جامعةٍ، كما أنّها كلفةٌ مشرّفةٌ سرعانَ ما تنعكسُ على الجامعِ الوطنيِّ، هذا الجامعُ الذي لا يتعارضُ أبداً، مع جامعٍ إنسانيٍّ أيضاً..

-إنَّ هذا التوصيفُ الذي نسوقُهُ، لن يفهمهُ كثيرون، ولن يدركْهُ آخرون، أو يؤمنونَ بهِ، وهو أمرٌ طبيعيٌّ جدّاً، باعتبارِ أنَّ ما نركّزُ عليه، في هذهِ المقاربةِ، هو نسقٌ  من المفاهيمِ غيرِ الشعبيّةِ، كما أنّها مقاربةٌ ليستْ تسويقيّةً، وهيَ من ذاتِ السياقاتِ التي ينطلقُ منها الرئيسُ، في فهمهِ للأحداثِ، أو في موقفِهِ منها..

-إنَّ هكذا ظواهرَ وحالاتٍ قياديّةً، لا يزدحمُ بها التاريخُ، ولا يجودُ بها كثيراً، فتبدو وكأنّها غيرَ منطقيَّةٍ في محاولاتِ فهمِ العامّةِ لها، أو أنّها غيرُ واقعيّةٍ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ جدّاً، كونَ أنَّ العامّةَ، أو الغالبيّةُ الساحقةُ من الجمهورِ تاريخيّاً، لا تعتمدُ في مقارباتِها على منهجيّةٍ عميقةٍ في الحكمِ على الظواهرِ أو على الحالات، أو حتّى على الأحداثِ، كونها غيرُ قادرةٍ على فهمِها أو تحريكها، باعتبارِها تعيشُ في داخِلِها، وهي محكومةٌ بها، ومأسورةٌ وخاضعةٌ خضوعاً مطلقاً لها..

-لذلكَ فإنَّ الرئيـ.ـسَ الأسـ.ـد، كما هوَ نسقٌ من القادةِ التاريخيّين، والذينَ يساهمونَ في صناعةِ الأحداثِ، وبالتالي في صناعةِ التاريخِ ذاتِهِ، لا تُبنى أمجادُهم الشخصيّةُ على مواقفَ ولحظاتٍ تاريخيّةٍ آنيّةٍ، وهم لا يشتغلونَ عليها، أو ينتظرونها، أصلاً، وإنّما يكونُ التاريخُ بحتميّتِهِ المفرطةِ، قد راكمَ لهم إنجازاتِهم الكبرى، وحساباتِهم المصرفيّةِ الخاصّةِ - بعدَ أن رسَّمتْ خرائط وحرَّرتْ معادلاتٍ كونيّةٍ وغيّرتْ تاريخاً - ووضعَها لهم في حساباتِهم الشخصيّةِ، ليس في بنوكِ ومصارفِ الغربِ أو الشرقِ، وإنّما في بنوكِ صفحاتٍ خالداتٍ، حيثُ تصطفُّ أجيالٌ قادمةٌ، في كلِّ صباحٍ ومساءٍ، تؤدّي لهم تحاياها، بخشوعٍ واحترامٍ شديدينِ..