تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية عالمية وتعارض المصالح

أعادت الإدارة الأمريكية يوم الأربعاء 17 يناير 2024م إدراج أنصار الله في اليمن على قائمة الجماعات "الإرهابية"، في أحدث محاولة من جانب واشنطن لوقف الهجمات على الشحن الدولي.

ويأتي هذا التصنيف بإعتبار انصار الله  "كيان إرهابي عالمي مصنف تصنيفا خاصا" يؤدي إلى فرض عقوبات قاسية عليهم ويهدف إلى قطع التمويل والأسلحة التي يستخدموها  لمهاجمة السفن في ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر حسب ماجاء في تصريحات جيك سوليفان مستشار البيت الأبيض للأمن القومي في بيان له أن  "هذا التصنيف أداة مهمة لتعطيل تمويل انصار الله وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم".

وأضاف "إذا أوقف انصار الله  هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، فستعيد الولايات المتحدة تقييم هذا التصنيف على الفور".

وقدمت إدارة الرئيس جو بايدن "استثناءات" أيضا بهدف تجنب تأثير التصنيف على اليمنيين ، الذين يعتمدون على واردات المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، وتعهدت بالتواصل مع جماعات تشمل وكالات إغاثة قبل أن يدخل التصنيف حيز التنفيذ في غضون 30 يوماً.

رحّبت الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها  بقرار الولايات المتحدة  تصنيف انصار الله  في اليمن «جماعة إرهابية عالمية». 

وقالت الحكومة، في بيان نشرته وزارة الخارجية، إن القرار «يأتي استجابة لمطالبة الحكومة المستمرة للمجتمع الدولي بالتحرك الجاد لحماية الشعب اليمني كما رحبت كثير من الأطراف اليمنية التي تعارض مسار السلام في اليمن بهذا القرار 

وهناك من يرى ان تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية يتعارض مع مصلحة أمريكا  في الوقت الراهن لأنّهم يشكّلون  عاملاً وصِمام أمان  في الحرب على الارهاب خاصّة في وقت تتصاعد فيه ما يسمى بالقوى (الجهادية السلفية) في جنوب اليمن والتي لا تقيم أي معيار للتوازنات الإقليمية أو المحلية أو الداخلية، والتي لا تخشى شيئاً في سبيل دك أمريكا والدولة الصهيونية ويعتمد هؤلاء في تحليلهم على عدد من الأمور في نظرتهم هذه تجاه أنصار الله ومنها:

أولاً : جماعة أنصار الله منذ دخولها  العاصمة صنعاء، جعلت من أولى أولوياتها، محاربة تنظيم القاعدة، وما يطلقون عليهم «الدواعش»، حيث أعلن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي أنه سيواصل محاربة تنظيم القاعدة.

 وبالفعل بدأت اللجان الشعبية  بالتحرك إلى رداع بمحافظة البيضاء، وإلى العدين بمحافظة إب، وهما من أهم معاقل تنظيم القاعدة، وحققت نتائج ظاهرية على السطح بانسحاب عناصر القاعدة من تلك المناطق بعد مواجهات عنيفة، دخلت فيها الطائرات الأمريكية بدون طيار على الخط، وشاركت في القصف على عناصر القاعدة وبعض القبائل المساندة لفكر القاعدة ، وأفسحت المجال لانصار الله  بالدخول إلى تلك المناطق والسيطرة

ثانياً : عدم وضوح السياسة الأمريكية تجاه الصراع الدائر في اليمن وظهر ذلك من خلال الأهداف التي اعلنتها الولايات المتحدة والمبادرات التى اعلنتها ، وكلها لم تنجح في اليمن بإلإضافة إلى طبيعة النظام المؤسساتي في أمريكا وتبدل وجهات النظر حول كثير من الأحداث، بالإضافة إلى تعارض الأهداف الأمريكية في مايتعلق بصراعات المنطقة وعدم وجود ادوات فاعلة لديهم على الأرض تمكنهم من فهم الواقع في اليمن خصوصاً بعد حرب التسع سنوات ..

ما يهمنا اليوم هو قراءة واقعية عن تبعات مثل هذا التصنيف في مستقبل  السلام في اليمن   قد يكون هذا القرار الأمريكي  الجديد لا يعني التصنيف الكامل كما أشار مضمون القرار.

 إلا أن هناك تعارض وعدم وضوح في كيفية التعامل مستقبلاً مع جماعة الحوثي واليمن بشكل عام..

 وهل سيتماثل مع حالة حزب الله في لبنان؟  وبكل تأكيد سيكون هناك أثار سلبية كبيرة سواء على المستوي السياسي او الاقتصادي والمالي وعلى حركة اليمنيين في مختلف دول العالم .

كما سيحد من عمل بعض الشركات العالمية وبعض المنظمات الدولية خوفاً من العقوبات الأمريكية، وسيكون له أثار سلبية على مسار السلام في اليمن والحل السياسي الشامل..

وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تصنيف "أنصار الله" جماعة إرهابية عن طريق الإدارة الأمريكية..

   لكن كما يبدو أن المحرك الاساسي خلف هذا  القرار الجديد مصالح الولايات المتحدة ولا علاقها لها بالصراع داخل اليمن، من أجل ممارسة مزيد من الضغط السياسي على جماعة الحوثيين، لوقف أعمالهم العسكرية في البحر الأحمر .

لأن  التصعيد الراهن في المنطقة قد يسهم في تأخير توقيع اتفاق السلام.

أو على الأقل تأخير التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وما تُعرف بـ”تدابير بناء الثقة”؛ لأن واشنطن  تريد الانتهاء من حرب غزة  أولاً، لان موافقة واشنطن على مسار هذا الاتفاق، في ظل الأوضاع الراهنة في الإقليم، سيؤثر على إسرائيل كما يرى الكثير من المحللين..

 وفي المقابل تبذل الرياض  جهوداً مع مسقط لتجاوز الواقع الراهن، والعمل باتجاه الترتيب للتوقيع على الإتفاق المرتقب في هذا العام الجديد الذي نولج إليه على احتمالات عديدة ..
  
أولاً:  استمرار أنصار الله في الأعمال العسكرية ومواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا والتحالف والتي يمكن ان تؤدي إلى أثار كبيرة عليهم واستمرار عزلهم وفرض القيود والخناق عليهم بالإضافة إلى الآثار المدمرة على اليمن والمنطقة..  

ثانياً: قبول أنصار الله بالحوار وتقديم الحلول السياسية  من أجل وقف العمليات العسكرية والتصعيد  ستحقق لهم ولليمن ودول الإقليم منافع استراتيجية واقتصادية على المدي الطويل من خلال تقديم أنفسهم كقوة سياسية على الأرض يتمتعون بعلاقات متماثلة مع دول الإقليم والقوى الدولية خصوصاً وأن الأحداث تثبت أن اليمن  مقبل على سيناريو يمكن ان يؤدي الى صراعات جديدة تستمد منها بعض الدول الاقليمية رغبتها في الحفاظ على كيانها واستمرارها بعيد عن تحكم الكتل او الكيانات الكبري في مسار الأحداث في المنطقة.. 

بشكل عام قادم الأيام سيثبت أهمية التعامل مع الأحداث  وفق رؤيا تحقق المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية بعيداً عن العواطف والمشاريع التى يمكن ان تؤدي أثارها الى كارثة على اليمن و المنطقة بشكل كامل.. 

* سفير بوزارة الخارجية