تحت عنوان الحرية والتغيير.. وقعنا في الفخ

عدم الوعي بالتاريخ هو عدم الوعي بالحاضر وعندما نتجاهل التاريخ ولا نستوعب الحاضر  النتيجة فشل حتمي في صنع المستقبل.

لا يمكن للقوى الأصولية أن تكون حاملة لشعلة الحرية والتغيير لأن الحرية هي وعي والتغيير هو الإنتقال إلى مرحلة البناء، والبناء لا يأتي من خلال إسقاط نظام فسقوط النظام البديل له الفوضى والهدم.

فما بني على أساس الفوضى والهدم لا يمكن أن يكون عاملاً للبناء والنظام لأن انطلاق هذا المشروع الممنهج كان قائماً على دراسة مسبقة للبنية السياسية والإجتماعية لكل قطر عربي على حدة ممن شملهم ما سمي بالربيع العربي.

كانت أدوات تنفيذ هذه الخطة هي القوى الأصولية التي تم إعدادها باحترافية للقيام بهذا الدور، ضد الدول التي يرى فيها الغرب أنها مارقة أو انتهى دورها وأصبحت تشكل خطراً على مصالحه في المنطقة.

ولأن أن أغلبية الأقطار العربية تفتقرُ أساساً لعوامل التأسيس للحرية والتغيير، وتعاني من الفقر والبطالة وتردي الخدمات ومتأثرة بالفكر الديني الأصولي كانت البيئة خصبة استجاب فيها عامة الشعب، على أمل أن يأتي التغيير إلى الأفضل ولم يستوعب الجميع إلا بعد خروج الوضع عن السيطرة.

لم يكن الجميع يعلم أن الحرية اختيار والإختيار تحديد والتحديد لا سبيل إلى تحقيقه بدون الضرورة الحتمية.

"فالحرية ليست فوضى إنما هي وعي بما هو ضروري ومعرفة به وسيطرة عليه".

لأن الذات الحرة حرة من حيث الإختيار والإستيعاب للواقع، ومع أن الواقع هو جملة ممكنات.

وعندما نتجاوزجملة الممكن نفتقد للوعي الذي هو ثمرة شروط معقدة، أي سيرورة تتكون نتيجة تراكمات ثقافية وعلمية وحضارية تستوعب عملية التغيير وحرية الإختيار، وهذا ما افتقر إليه الجميع في كل الأقطار العربية المستهدفة، حتى النخب السياسية التقدمية واليسارية افتقرت لكل هذه العوامل وكانت عبار عن شماعة استخدمتها القوى الأصولية لمرحلة معينة ثم تجاوزتها وعملت على إقصائها وتخلت عن كل الشعارات التي رفعت وذهبت منفردة لتحقيق مشاريعها الخاصة وكانت النتيجة هدم وفوضى.

فمتى يصل الوعي إلى مرحلة الإختيار، ويتحول إلى إرادة واعية تتجه نحو الفعل، نحو العالم الخارجي الذي هو حقل الإمكان المتعدد، والبعيد عن المؤثرات الدينية الأصولية والدكتاتورية المتأصلة داخل مجتمعنا الأصولي، لنتمكن من بناء الدولة الحديث والعصرية القائمة على الحرية والعدل والنظام والقانون، والمتحررة من كل المؤثرات الدينية التي تجاوزها العالم.

* دبلوماسي وسياسي يمني