يا أهل غزة .. لا يضركم من خذلكم فأنتم الأعلون

يكمل العدوان الصهيوني البربري على الأشقَّاء في قِطاع غزَّة الأسبوع العاشر وما زال العالَم يتفرَّج على هذه الجريمة في ظلِّ حالة عجز عالَمي لَمْ يسبق لها مثيل وحصار إجرامي مدعوم من قوى الإرهاب العالَمي، وإبادة جماعيَّة للأبرياء من أطفال ونساء ومَدنيَين عُزَّل انقطعت عَنْهم كُلُّ سُبل الحياة وهجمات موازية للعدوِّ الصهيوني على مُدُن الضفَّة الغربيَّة واعتقالات بلغت أكثر من (6000) آلاف منذ بداية العدوان.

بَيْنَما تجاوز الشهداء أكثر من (18500) شهيد غالبيَّتهم من النِّساء والأطفال وأكثر من (10000) مفقود تحت الأنقاض، بعضهم يئنُّ ويصرخ تحت الركام في ظلِّ نقص لمعدَّات الدِّفاع المَدَني ومعوِّقات على الأرض تضاعف صعوبة الانقاذ وخروج المؤسَّسات الطبيَّة عن الخدمة مع الحصار المفروض على المشافي واستهدافها والقصف المستمر للبنية الأساسيَّة الَّتي دُمِّرت بشكلٍ تجاوزَ نصف القِطاع مع استهداف لمختلف جوانب الحياة الإنسانيَّة من مخابز ومساجد ونقاط مياه ومؤسَّسات الأونروا وإغلاق جزئي لمعبر رفح، في مشهدٍ كارثي يتطلب هبَّة عالَميَّة لإنقاذ ما يُمكِن إنقاذه، ومحاولة إخراج بعض المصابين الَّذين تجاوز عددهم (50000) في حالة لَمْ يشهدها التاريخ، بَيْنَما تواصل الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة منح الضوء الأخضر للكيان المُجرِم اللقيط لاستكمال جريمته بعد استخدام فيتو الباطل بالاعتراض على قرار وقف إطلاق النَّار لدواعٍ إنسانيَّة حسب المادَّة (99) للأُمم المُتَّحدة، فإلى أين يسير هذا الصلف وهذا العدوان البربري النَّازي بتحالف الشيطان وهو يستفرد بقِطاع لا يتجاوز مساحته (365 كم مربَّع)؟!!

الموقف العربي البائس الَّذي لَمْ يستطع حتَّى الآن ـ ورغم المناشدات ـ أن يقدِّمَ شيئًا في هذه القضيَّة وكأنَّ ما يحدُث في فلسطين لا يعني هذه الدوَل العربيَّة الَّتي اجتمعت في قمَّة عربيَّة إسلاميَّة استثنائيَّة بعد أكثر من شهر على العدوان جمعت (57) دَولة كانت عاجزة عن تقديم أيِّ شيء وهي تشاهد الحملة الصهيونيَّة البربريَّة على الأبرياء، ونحن هنا إذ نوَجِّه الخِطاب للنِّظام الرَّسمي العربي نقدِّم البَيِّنَة التاريخيَّة على هذا الخذلان والتراجع المعيب، وعدم الالتزام بالمسؤوليَّات الإنسانيَّة والشرعيَّة والعروبيَّة، ونعلَم أنَّ هذه المشاهد لَمْ تبلغ ـ للأسف الشديد ـ ضمائر هذه الأنظمة مع العِلم أنَّ انكسار شوكة المقاومة (لا قدَّر الله) سوف يأتي على هذه الدوَل وفقًا للمشروع الصهيوني (إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النِّيل). 

ولكنَّ المقاومة الباسلة اليوم لا تدافع عن فلسطين ومقدَّساتها فحسب، بل تنسف مشروع «إسرائيل» الكبرى حيث يعتقد العرب أنَّ الخطط التنمويَّة الوطنيَّة والإبراهيميَّة والمشاريع الاقتصاديَّة المشتركة مع الكيان الصهيوني والولايات المُتَّحدة أهمُّ ممَّا يحدُث على أرض فلسطين من مجازر، وتتوخَّى هذه الدوَل القفز إلى مصاف القوى العالَميَّة، متجاهلين حقيقة أنَّ هذا العدوَّ وشريانه الشيطاني يرسم أهدافًا خبيثة للدوَل العربيَّة عمومًا.. فمتى ستهبُّ هذه الدوَل وتدافع عن نفْسِها على خطِّ الدِّفاع الأوَّل فلسطين؟!!

الدوَل العربيَّة المحوريَّة ـ للأسف ـ منذ جولة العدوان الثانية غابت تمامًا عن المشهد حتَّى لَمْ نشهد لها أيَّ حراك يُبرئ ذمَّتها الإنسانيَّة والشرعيَّة ومسؤوليَّتها القوميَّة بالدِّفاع عن فلسطين وفقًا للمادَّة الثالثة من ميثاق جامعة الدوَل العربيَّة الَّذي يلزم الدوَل العربيَّة بالتصدِّي لأيِّ عدوان أو استهداف محتمَل لأيِّ دَولة عربيَّة، لكن لا حياة لِمَن تنادي.

 المُصيبة الأخطر أنَّ اتفاقيَّات الاستسلام الَّتي وقَّعتها بعض الدوَل العربيَّة مع هذا الكيان الإرهابي المُجرِم تُعدُّ خطَّ الدِّفاع الأوَّل عن الكيان الصهيونيِّ، وتنتهك سيادة هذه الدوَل، وإلَّا فإنَّ ما حدَث في 7 أكتوبر يُمكِن أن يتكرَّرَ على مختلف الجبهات العربيَّة، وهناك الآلاف والملايين من أبناء الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة مستعدِّين للتضحية والدِّفاع عن أولى القِبلتَيْنِ وثالث الحرمَيْنِ الشَّريفَيْنِ، والالتزام بالواجب الشرعي والعروبي والإنساني الَّذي نصَّت عَلَيْه كُلُّ الشرائع والرسالات السماويَّة،

 لا سِيَّما في مِثل هذه الظروف، حيث يستفرد العدوُّ الصهيوني بأطفالنا وأهلنا في فلسطين عِندما فشل في مواجهة الرجال، رجال المقاومة فعمد إلى ارتكاب مجازره وجريمته للتغطية على خيبته وفشله، ومضى في استهداف كُلِّ ما يمُتُّ للحياة بصِلَة بلغ بهم الأمْرُ بتنفيذ عمليَّات إبادة بالمعتقلين من الرجال باعتبارهم مقاتلين غير شرعيِّين في النهج الإجرامي لبني صهيون أذلَّهم الله

اليوم تتجسَّد قمَّة المأساة والكارثة في قِطاع غزَّة، وإن لَمْ يهبّ العالَم لإنقاذ ما يُمكِن إنقاذه فلَنْ يبقى في هذا القِطاع نسمة تتنفَّس الهواء بعد إغلاق وانقِطاع كُلِّ سُبل الحياة. ولكن بالمقابل فإنَّ المقاومة العظيمة تقدِّم اليوم ملحمة من الصمود، وتقدِّم الدروس للعالَم وتُحقِّقُ إنجازات وملاحم بطوليَّة تجسِّد حقيقة القضيَّة وتمسُّكها بمشروعها وتطبيقها لأوامر الله، لذا لَنْ تخذلَ ولَنْ تنكسرَ وستُذيق بني صهيون المذلَّة والخزي والهزيمة.

 نسأل الله سبحانه التمكين لرجال القسَّام وسرايا القدس وكتائب الأقصى وجميع فصائل المقاومة وكوادرهم المناضلة بَيْنَ إحدى الحسنيَيْنِ؛ النَّصر المبَيْنَ أو الاستشهاد، ونسأله تعالى تعجيل وعده العظيم بالفتح المُبين الَّذي بشَّر به في محكم كتابه الكريم.

 ولا شك أنَّ هذه الدِّماء الطاهرة والأرواح البريئة هي عماد مشروع التحرير.. الله أكبر ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين.

* كاتب وإعلامي عُماني
khamisalqutaiti@gmail.com