ما بين خطاب نصرالله وواقع الصراع مع العدو

الكل كان يتطلع وينتظر خطاب السيد حسن نصرالله كونه كما يراه الأغلبية متحرراً من كل تلك العوامل التي تقيد الدول وتصبح عائقاً أمام صانع القرار، فحسن نصر الله زعيم حزب وليس رئيس دولة وبإمكانه اتخاذ قرار الحرب والمواجهة بسهولة، وبيده تلبية كل طموحات الشارع العربي والإسلامي، الأمر الذي ساعد على ذلك تلك المقاطع المجزئة التي نشرها إعلام الحزب قبل الخطاب، اعتبر عامة الجماهير أن الخطاب سيكون ساعة الصفر لإعلان الحرب الشاملة مع العدو.

السيد حسن نصر الله نفسه تعامل مع مجريات الأحداث كزعيم تقع على عاتقه مسؤولية القرار وكل تبعاته وما ستؤول إليه النتائج ومصير لبنان، الدولة المنهارة اقتصادياً وسياسياً وبداخلها كل التناقضات، لذلك كان أمام ضغوطات سياسية وعسكرية واقتصادية وجماهيرية، فاستند قراره على كل المعطيات ليتعامل مع الأحداث بعقلانية ربطت بين السياسي والعسكري والاقتصادي والجماهيري فترك الخيارات مفتوحة لكلّ الإحتمالات.

 أراد بذلك الحفاظ على حالة الإرباك والقلق و التيه التي يعيشها العدو الإسرائيلي و الأميركي معاً، كما اعتمدَ الخطابُ على السهولة والشفافية والغموض، سهولة الإنتصار ، والشفافية مع الجمهور ، والغموض مع العدو الذي يتوقع كل شيء من الجبهة الشمالية، وكذلك المحافظة على واقع الحال في لبنان والتعامل معه كالواقع المعرض للإنفجار بحذر وأن لا يكون الفتيل الذي يشعل الجبهة اللبنانية الداخلية.

المنتقدون للخطاب بعدم إعلان الحرب هم أنفسهم من كان سينتقده في حال إعلان الحرب الشاملة، إضافة إلى تلك المجاميع الإرهابية وداعميها الذين زعموا الجهاد في سورية وقدموا الفتوى بذلك والتي لم نر منهم موقف أو فتوى لإعلان الجهاد في فلسطين في الوقت الراهن.

لست هنا للدفاع عن موقف حزب الله وخطاب زعيمه، بل تقييم الواقع وما تتطلبه المرحلة في مواجهة الكيان الغاصب وكيف يجب أن تسخر الإمكانات المادية والمعنوية والخطاب الإعلامي لصالح المقاومة وما يحد من جرائم العدو وتثبيت نقاط القوة التي حققتها المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني وتظافر الجهود بما يحقق النصر وفرض التسوية العادلة.

فالأحداث المؤلمة التي تمر بها فلسطين وجرائم الإبادة التي يقوم بها الكيان المحتل بحق أبناء غزة الجريحة ومن خلال الصراع المستمر بين المقاومة والمستعمر وتسارع الأحداث التي قادت إلى العملية البطولية والخاطفة لطوفان الأقصى في 7 تشرين الأول وما تلاها من أحداث وضعت الجميع أمام الخيارات الصعبة ما بين الجوانب الإنسانية ونصرة المظلومين والقيام بالواجب العروبي والديني وواقع الحال وما تتعرض له دول الطوق المحيط بالأرض المحتلة سورية ولبنان من أحداث وأزمات اقتصادية، وحتى الأردن لم تنجُ من الوضع الإقتصادي القاتل والضغوطات السياسية كما هو الحال مع مصر.

 كل هذه العوامل لها التأثير السلبي للأحداث الجارية، فالقدرة على تحقيق الأهداف المرجوة تعتمد مباشرةً على توافر عناصر القوة واستخدامها بشكل عقلاني، وهي العناصر العسكرية والسياسية والاقتصادية، لإن إبراز القوة لتحقيق الأهداف الوطنية أكثر تعقيدا من مجرد التباهي بالقوة العسكرية وحالة الإستعراض والهروب من الإلتزامات الداخلية والدخول ضمن الأزمات الدولية في حالة الدول الفاشلة.

إن الأحداث الدولية تتطلب تقديراً شاملاً لهذه العوامل، لأن اتخاذ القرار في المواقف المصيرية يستند بالدرجة الأولى إلى المصلحة الوطنية، فيجب على صانع القرار أن يتجرد من كل العواطف والمؤثرات الداخلية والخارجية، وعليه أن يتصرف وفقاً للمصالح الوطنية أولاً ثم المصلحة القومية ثانياً، وربط المصالح الوطنية والقومية، يعتمد على طبيعة النظام الدولي الذي تغيب عنه السلطة المركزية (غياب العدالة وانعدام المعايير) التي تتحكم بها القطبية الواحدة المتوحشة.

 ومن هنا يجب على صانع القرار أن يوازن بين المصالح الوطنية والقومية والدولية وإلا سيؤدي غير ذلك إلى تدمير الدولة إذا كانت في أحسن أحوالها فما بالك إذا كانت تمر بأزمات سياسية واقتصادية وعدم استقرار، إن تغليب المصلحة الوطنية على بقية المصالح الحزبية والدينية والذاتية، لا يستطيع اتخاذها إلا القادة الاقوياء، الذين تقف أمامهم العديد من المعضلات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ومع ذلك يعرفون كيفية إدارة الأزمات وما تمثله الضغوطات من قبل التيارات المختلفة،

فهل يتعامل بالمثالية؟ أم بحسب المشكلة على أرض الواقع؟ أو بحسب ما يراه التقليديون والسلوكيون؟ أو يترك كل تلك النظريات ويذهب إلى حيث رغبة الجماهير الشعبية والعاطفية؟

وهنا سيكون الأخذ بأفضل الخيارات وأقلها ضرراً هو ما يتوجب على القائد السياسي اتخاذه.

*دبلوماسي وسياسي يمني