سلطات الأمر الواقع تطيح بنفسها

(1)
كان المواطنون يظنون إنهم بمجرد أن تنتهي الحرب أو تضع أوزارها سيتم التخفيف والإزحة لبعض من عبء الجبايات التي تثقل كواهلهم، لاسيما تلك التي تم فرضها ومضاعفاتها بلا دستور ولا قانون بمبرر الحرب والمجهود الحربي، ولكن ما حدث ويحدث اليوم عكس ما هو متوقع ومأمول!!

كل تلك الآمال المعقودة على ما بعد الحرب انتهت إلى ما هو صادم، والأحلام التي لطالما روداتنا لاسيما التخفيف عما هو ثقيل على الكواهل أنقلبت إلى يأس وقنوط وفشل ذريع، وكوابيس مرعبة وخانقة للشعب، لاسيما تلك المتعلقة بتطبيع الأوضاع المعيشه والاقتصادية والاجتماعية.

بعد الحرب تفرعن الجباة أكثر، وفتحت شهيتهم، وبات الجشع جهنم تقول هل من مزيد، فيما حصد الشعب بعد الحرب وبعد صبر طويل مع الحرب خيبة لا توصف، ثقلها كالجبال الراسيات.

الاستمرار على هذا الحال بل الهرولة إلى ما هو أكثر سوءا وموغلا في السوء والسواد لن يؤدي إلا إلى نهاية حتمية تطيح سلطات الأمر الواقع بنفسها هنا وهناك، بالتضافر مع عوامل شتى غير غائبة في المشهد، بل هي حاضرة وتتخلق وتشتد كل يوم، بقدر اشتداد الخيبة التي تكبر وتتسع، ونعيشها كل يوم مرغمين، تحتم علينا فيها أن نمضغ جراحنا ونقتات شعر رؤوسنا كل يوم أسوأ من سابقه.

(2)
فرضت سلطة الأمر الواقع في صنعاء جبايات غير دستورية وغير قانونية، ومن جهة أخرى فرضت جبايات أخرى تحت مسمى القانون رغم تعسفها في فرضه واصداره.

ولم تكتف سلطة الأمر الواقع بهذا الحد الذي بلغته في التجاوز والتصادم مع القانون، ولم تكتف بالتعاميم الغير دستورية والغير قانونية التي يصدرها وزير المالية بدعم ومساندة السلطة الخفية، والتي تفرض مزيدا من الجبايات الغير قانونية، بل تقدمت حكومة صنعاء بثلاثة مشاريع قوانين جديدة لمجلس نواب صنعاء تجعل من صلاحية وزير المالية اقتراح ما يريد من جبايات، وتعديلات على القوانين، ليتم إصدارها بقرارات من رئيس المجلس السياسي.

وهذا يعني أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء تريد رفع كل مانع وإعاقة وتأخير  من أمامها في المستقبل، لتفرض ما تريد من جبايات وتعديلات قانونية دون العودة إلى مجلس النواب، وهي خطوة جريئة للإيغال في مزيد من الاستبداد والاستيلاء على صلاحيات المجلس وربما حله في المستقبل المنظور أو القريب.

وكل هذا يزيد من انكشاف سلطة صنعاء وسقوطها الأخلاقي المريع، وتوجهاتها في المستقبل نحو الاستبداد والإستفراد الكامل بالحكم وبلوغ حد الطغيان.

(3)
خلال عامين من الهدن المعلنة والغير معلنة بعد حرب ضروس دامت سبع سنوات عجاف، وجدنا سلطات الأمر الواقع هنا وهناك تمعن في فشلها الذريع في إدارة الشأن الاقتصادي الواقع تحت سلطاتها، بل وتزيد من معاناة المواطنين الواقعين تحت سيطرتها، وتتبرم وتتخلى عن مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية حيال السكان الواقعين تحت سيطرتها.

و ترفض سلطات الأمر الواقع أو تمتنع من أداء واجباتها بما فيها من أولوية، وتذهب حد التجرد من الشعور بالخجل والحياء حيال الحدود الدنيا من مسؤولياتها الملحة والعاجلة لاسيما تلك المعنية بالتخفيف من المعاناة المعيشية اليومية للمواطنين، حتى باعتبارها سلطة أمر واقع.

وأكثر منه أنها تزيد وتضاعف المعاناة المعيشية للمواطنين، وتتربح من مآسيهم، وترفض التعاطي مع استحقاقات شعبنا بعد الحرب من التعليم والصحة والرواتب وتطبيع الأوضاع، وتوفير الحد الأدنى من استحقاقات المواطنة والسلام.


(4)
سلطة لن تدوم طويلا، طالما نجدها تستعدي كل يوم مزيدا من الأفراد والفئات والشرائح الاجتماعية، وتلحق بهم كثيرا من الفاقة والعوز ، والظلم والعار.. 

سلطة أمر واقع جائرة ترفض التنازل قيد أنملة عن منح مرتب لموظف أو معلم.. مرتب فقد قدرته الشرائية مرة ومرتين وثلاث، ولم يعد قادرا على إعلاف حمارا واحدا في الشهر، فما بالنا بالموظف أو المعلم الذي يقع عليه إعالة أسرة مكونة من ستة أو سبعة أو ثمانية من بني البشر..

سلطة الأمر الواقع هنا أو هناك باتت صفة تتراجع كل يوم لصالح ما هو دونها، وبعضها بات يدنو إلى مقاربة وصف "العصابة".

سلطة أمر واقع تستعدي مواطنيها، ولا ترى فيهم إلا محاطب حرب عندما تشتد الحاجة إليهم، وغنيمة حرب بعدها بهدن معلنة أو غير معلنة.

سلطة تراهم مجرد كلاب ينبغي تجويعهم لتظفر بولائهم على غرار المثل الشعبي الشائع "جوع كلبك يتبعك" ولاء مصنوع من التجويع والإذلال، وإهدار الكرامة، واستباحة ما للإنسان من وجود وحقوق.

(5)
زيادة ومضاعفة الجبايات من جهة، وتوسيع واستهداف المزيد من المستهدفين بالجبايات من جهة أخرى، يكفي إن أستمر بعد حين أن يطيح بسلطتك أو على الأقل بمشروعيتها، إن كان لديها ثمة مشروعية. هذا الأمر بمفرده إن أستمر لن يقود إلا إلى حتمية النهاية بكل تأكيد، وربما قربها.

التخلي عن المسؤولية الأخلاقية والإنسانية نحو المجتمع الذي تدعي أنك تمثله وتدعي تحريره، والتخلي عن واجب توفير أبسط الخدمات لهذا المجتمع الواقع تحت سلطتك، وإفراطك بانهاكه بالظلم والمظالم، والجبايات الثقيله، يعجل بكل تأكيد من زوال تلك السلطة الظالمة والجابية، والمستهترة بحقوق الشعب وأفراده.