بين غزة ورداع مسافة شبر ...!

 بين غزة ورداع مسافة شبر على الخارطة وخزنة بارود على أرض الواقع. وليس اشتباه بوصلة أن يكون التفجير هو نفسه هنا وهناك. فالبارود في النهاية عدوه المنازل المعمورة المأهولة بالأطفال والنساء.

استفاق الشارع اليمني في آخر أيام الثلث الأول من شهر رمضان على فاجعة أنقاض منازل مواطنين آمنين تم تفجيرها بضغطة زر من مزاج "مؤمن صائم"، لتأتي وسائل الإعلام فتقول إن 12 شخصًا من النساء والأطفال، قتلوا، وآخرين مازالوا تحت الأنقاض، إثر تفجير منزلين في حارة "الحفرة" وسط مدينة رداع في محافظة البيضاء واحد لمواطن من آل الزيلعي ومنزل لمواطن من آل ناقوس، ما أسفر عن تهدم عدد من المنازل في الحي على رؤوس ساكنيها.

من بين المنازل المتضررة منزل أسرة "اليريمي"، الذي انهد على رؤوس ساكنيه الآمنين بداخله، ولايزال عدد من النساء والأطفال والرجال تحت الأنقاض. ولا حصيلة نهائية، فالأعداد مازالت مرشحة للمزيد.

الجريمة وقعت إثر قيام شاب من آل الزيلعي بنصب كمين، مساء أمس الأحد، لأطقم تابعة للميشيات الحوثية وسط مدينة رداع، ما أدى إلى مقتل شقيق المشرف الأمني "أبو حسين الهرمان" واثنين آخرين كانا معه على متن الطقم، فيما أصيب اثنان آخران؛ وذلك على خلفية مقتل شقيقه قبل حوالي عام برصاص مرافقي المشرف الهرمان في سوق عريب للقات برداع.

جن جنون الهرمان فحشد وأرعد وأزبد. وعلى الفور تحركت "حملة أمنية" للمليشيات الحوثية وقامت بمحاصرة منازل مواطنين من آل ناقوس والزيلعي في حارة الحفرة، وقامت بتفخيخ منزل آل "ناقوس" وغرفة أخرى مجاورة يتخذونها لمقيل القات بالمتفجرات، وما بجوارها من منازل شعبية متلاصقة، ثم بكل بساطة قامت بنسف المنزل والغرفة ليتحول كل شيء إلى أنقاض. 

هكذا يحدث مع جماعة الحوثي التي أصبحت سلطة حاكمة، والتي قد تعتقد بأن هكذا عملا إجرامياً في شهر كريم هو أيضاً انتصار لفلسطين وغزة، حيث الهرمان تدمع عيناه كل يوم لما يحدث لأطفال غزة ويدعو إلى النفير فجاء النفير كأوضح ما يكون عليه جهاد الهرمان ومنظومته الأمنية.

فالقضية لم تعد ملاحقة مطلوبين، يتم محاصرة منطقتهم بأطقم أمنية، بل استدعى الأمر تحرك قوات خاصة من صنعاء وخبراء تفجير وألغام وبارود لكي يشفي المشرف الأمني الحوثي غله من مقتل شقيقه، خصوصاً وهو مؤمن صائم، فقام بنسف تلك المنازل على رؤوس ساكنيها الذين غالبيتهم من الأطفال والنساء.

من جانبه اعتبر ناطق وزارة الداخلية التابعة لحكومة الحوثي، عبد الخالق العجري، ذلك "حادثاً مؤلماً"، حصل "نتيجة خطأ من قبل بعض رجال الأمن أثناء تنفيذ حملة أمنية لملاحقة بعض المخربين الذين هاجموا رجال الأمن في وقت سابق...".

ولا أحد يدري حتى الآن هل أن ذلك "الحادث المؤلم" حسب توصيف العجري سيتحول إلى جبر خاطر ببنادق هجر وتحكيم كما لو كان يتحدث عن حادث مروري وليس عن جريمة مروعة، ليضيف إلى توصيفه ذاك بعض تفاصيل تقول بأن بعض الأفراد من الأمن قاموا "باستخدام القوة بشكل مفرط، وغير قانوني بدون العودة وأخذ التوجيهات من القيادة الأمنية أو علم وزارة الداخلية... وتم تشكيل لجنة للتحقيق".

لم ينس العجري أن يقول بأن ما حدث كان فقط "نتيجة خطأ من قبل بعض رجال الأمن أثناء تنفيذ حملة أمنية لملاحقة بعض المخربين الذين هاجموا رجال الأمن في وقت سابق، ما أدى إلى مقتل اثنين من رجال الأمن وجرح آخرين".

وكما يبدو، لم يحدث لزعيم المليشيات عبد الملك الحوثي أن ينسى النقطة التي توقف عندها في محاضرته السابقة ليواصل الحديث في محاضرة اليوم من تلك النقطة بالتحديد، دون أن يشير حتى من بعيد إلى ما حدث في رداع. 

لكن بحسب ما يتوارد من أنباء، فقد "أصدر توجيها بإقالة مدير أمن محافظة البيضاء ومدير أمن رداع وعدد من الأمنيين وإحالتهم الى القضاء العسكري".

سياسيون وناشطون عبروا عن سخطهم وإدانتهم للجريمة التي حدثت في منطقة رداع، حيث أكد النائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد أن ‏تفجير المنازل ليس عمل دولة، بل هو عمل انتقامي مدان لا يحدث في أي دولة بالعالم عدا الكيان الصهيوني.

السياسي والسفير السابق، فيصل أمين أبو راس كتب معلقا:  "رداع .. رداع .. رداع في اليمن وليست في مستعمرات إسرائيلية!".

وخاطب أبوراس سلطة الحوثي بالقول: "لا تركنوا إلى ما أنتم فيه ولا الى ما لديكم من قوة (فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال) والتاريخ مليء بالعبر والأحداث، وخير الناس من أخذ العبرة ممن سبقه، في الحكم والسلطة والتسلط، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك. اللهم فاشهد وما نريد الا إصلاح الاعوجاج وإنقاذ البلاد".

من جانبه، السياسي والسفير السابق، نايف القانص، قال:  "هدم المنازل على ساكنيها، نهج إرهابي وإجرامي لامبرر له، ولايمكن القبول باي مبررات او تحميل اشخاص الجريمة على أنها ارتكبت بالخطاء حسب ما صرح به ناطق الداخلية، بل هي جريمة مكتملة الأركان، تتحملها سلطة الأمر الواقع، وكان بامكانها أن تتجنب مثل هذه الجريمة الشنعاء، من خلال ضبط القاتل المحتمي بسلطة الأمن في المنطقة، وتقديمه للعدالة بدل التستر عليه".

الناشط عبد الوهاب الشرفي بدوره أكد أن ‏"تفجير منازل الخصوم فضلا عن تفجيرها ولازال بداخلها أحد من أهلها هي اعمال مدانة أدنّاها فيما مضى وندين التفجير الآثم الذي حصل في رداع وسنظل على إدانة هذه الأعمال  ما حيينا".

 مشيراً إلى أن "تفجير المنازل عمل حقير بغض النظر عن أي طرف صدر وبغض النظر تحت أي سلطة حدث، نرفضه وندينه دون شرط أو قيد".

الناشط السياسي، علي البخيتي، أشار إلى أن جريمة الحوثي في رداع ليست خطأ فرد، بل منهج جماعة، مضيفاً، عبدالملك الحوثي، وقادة جماعته، يحرضون على خصومهم باعتبارهم تكفيريين وصهاينة وعملاء لأمريكا وإسرائيل، ما يمهد الطريق لاستباحة كل حقوقهم، وما حدث في رداع ليس وليد لحظة ولا خطأ عارض، بل نتيجة طبيعية لخطاب كراهية منذ سنوات.

ناشط آخر تحت اسم بديع كتب: "بعد إحالة المتورطين في جريمة البيضاء بشكل علني إلى الجهات المختصة، أتمنى أن يقف البعض وقفة جادة مع النفس ليسألوا أنفسهم وبغض النظر عن أي شيء، لماذا كل هذا الامتعاض الذي بدأ يتحول إلى احتقان والذي سيؤدي إلى الانفجار طال الزمان أو قصر، ما هي أسباب ردود الفعل البالغة السلبية مع كل حادث يحدث بسبب الأغبياء وهل هم أغبياء فعلاً!".

من جانبه قال القيادي الحوثي عبدالملك العجري "‏ما حدث في البيضاء جريمة مروعة ومؤلمة بكل ما تعنيه الكلمة لا نرضاها ونبرا الى الله منها ونطالب بسرعة محاسبة المسؤولين عنها وإنزال أقسى العقوبات بحقهم.وتفجير البيوت جريمة مخالفة للقانون وللقرارات الصادرة عن وزارة الداخلية، وثقتنا كبيرة في عدالة القيادة أنها ستضع حدا لكل المستهترين"....