حراك أممي ودولي بشأن خارطة الطريق.. وتحذيرات من اتفاق أحادي

يعود الحراك الدبلوماسي الدولي والاقليمي حول الملف اليمني بعد أشهر من الجمود، وسط الحديث عن قرب توقيع صفقة بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي، برعاية أممية، في العاصمة العمانية مسقط.

واختتم المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، جولة جديدة من جولاته ولقاءاته في المنطقة بدأها الأحد، في مسقط بلقاء كبير مفاوضي جماعة الحوثي وعدد من الدبلوماسيين العُمانيين، وانتهى بها في الرياض، نهاية الأسيوع الماضي، بعد لقاء جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، ووزير الخارجية في الحكومة المعترف بها، شائع الزنداني، والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى جانب لقائه بالقائم بأعمال سفير روسيا لدى اليمن د.يفغيني كودروف.

وتأتي جولة المبعوث الأممي بعد شهور من التعقيد الذي أعاق مسار الوساطة الأممية في اتجاه استكمال الترتيب لتوقيع ما تم التوافق عليه من خريطة طريق السلام في اليمن، وسط الحديث عن اتفاق وشيك بين السعودية والحوثيين في مسقط.

وتزامنت جولة غروندبرغ مع لقاء وفد من مكتبه بنائب وزير المالية في العاصمة المؤقتة عدن، هاني وهاب، في دلالة على أن ثمة جديداً ومحفزاً أيضاً دفع الوسيط الأممي لاستئناف لقاءاته بهذا المستوى.

ترتيبات لإحياء مسار العملية السياسية

وبحسب وكالة سبأ الرسمية، فإن العليمي استمع من غروندبرغ إلى إحاطة حول نتائج اتصالاته الأخيرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والأولويات المطلوبة لإحياء مسار العملية السياسية، بما في ذلك النقاشات الجارية بشأن ضمانات وقف الحوثيين لهجماتها على مختلف الجبهات.

وأكد العليمي باسمه وأعضاء المجلس والحكومة، "الدعم الكامل لجهود السعودية والمبعوث الأممي من أجل إحياء مسار السلام في اليمن، والتخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية".

كما أكد التزام المجلس والحكومة بالتعاطي الإيجابي مع كافة الجهود الرامية لإحلال السلام في اليمن بموجب المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وخصوصاً القرار 2216.

وتنول لقاء وزير الخارجية، شائع الزنداني، بالمبعوث الأممي تطورات الأوضاع على الساحتين اليمنية والإقليمية والجهود المبذولة لإحياء العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.

وشدد الزنداني على ضرورة إعادة النظر في التعاطي الأممي مع الممارسات الحوثية ووقف انتهاكاتها العدوانية ودفعها للانخراط بجدية في مسار سياسي مبني على المرجعيات المتفق عليها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

بدوره أكد غروندبرغ خلال اختتام زيارته في الرياض على أهمية الدعم الإقليمي المستمر والمنسق لجهود الوساطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة في اليمن.

دعم بريطاني وروسي لخارطة الطريق

كما التقى غروندبرغ في الرياض، القائم بأعمال سفير روسيا لدى اليمن د.يفغيني كودروف وبحث معه مستجدات الأوضاع في اليمن.

وأكد كودروف - في بيان له عقب لقائه بالمبعوث الأممي إلى اليمن والوفد المرافق له خلال زيارته للرياض - على أهمية استمرار العمل على خارطة الطريق للتسوية.

وقال كودروف "اليوم اشتركت في الاجتماع بين رؤساء بعثات في اليمن للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن هانس غروندبرغ وزملائه".

وأضاف: "تم مناقشة مستجدات الأوضاع في البلد في ظل التوترات الراهنة، من جانبي أكدت على اهمية استمرار العمل على خارطة الطريق للتسوية واستعداد روسيا لمواصلة المساهمة في دفع جهود السلام".

ويوم الأربعاء، بحث المبعوث الأممي مع وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث وشؤون التنمية اللورد "طارق أحمد" جهود إحراز تقدم في خارطة الطريق باليمن.

وقال مكتب المبعوث -في بيان مقتضب نشره على منصة (إكس)، إن غروندبيرغ بحث ضرورة الحفاظ على بيئة تدعم الحوار البنّاء وسبل تحقيق تقدم في خارطة الطريق الأممية.

وكان غروندبرغ قد أكد في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي خلال هذا الشهر خطورة اللحظة الراهنة للسلام في اليمن، محذراً من استمرار تجاهل التسوية اليمنية ووضعها في غرفة الانتظار، مطالباً بعدم ربطها بتسوية قضايا أخرى.

وعلى مدى أكثر من عام شهدت صنعاء والرياض جولات من الزيارات المتبادلة بين قيادات سعودية وحوثية، تقول المملكة إنها تأتي في إطار مساعيها لإنهاء الصراع في اليمن والدخول في خارطة طريق لسلام دائم.

وذكرت تقارير إعلامية أن الطرفين توصلا لاتفاق، كان يجري الترتيب للتوقيع عليه أواخر العام الماضي، غير أنه ومع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة ودخول الحوثيين على خط الصراع عبر استهداف سفن الشحن في البحر الأحمر، تحت ذريعة مناصرة غزة، وتداعيات ذلك أعاقت التوقيع.

صفقة مشبوهة بين السعودية والحوثيين

عودة الحراك الدبلوماسي والدولي هذه تأتي وسط تحذيرات، من صفقة كبيرة بين السعودية وجماعة الحوثي يجري التحضير لها في مسقط.

وقال وزير الثقافة السابق مروان دماج، إن هناك صفقة وصفها بـ "الكبيرة" بين الحوثي والسعودية، لا يعرف حجمها"، مشيرا إلى أنه قد تكون صفقة العمر بالنسبة للجماعة، مطالبا بتحريك الجبهات العسكرية لإفساد الاتفاق أو تأخيره، حد قوله.

وأضاف مروان "يبدو الموقف الأمريكي يجاري الرغبة السعودية، رغم أن السياسة الأمريكية قد تقتضي أضعاف المليشيات الإيرانية قبل أي تفاوض وصفقة مع إيران".

وتابع "ربما تكفي معركة صغيرة من جبهة جيدة الإمداد لإفساد الإتفاق أو تأخيره رغم المخاطرة الضرورية واللازمة"، مشيرا إلى أن جبهة الساحل هي المؤهلة لأسباب كثيرة: منها طبيعة التسليح والتمويل.

وحسب مروان فإنه وبدون ذلك فالجميع يمشي إلى المسلخ.

مسمار في نعش الشرعية

إلى ذلك أبدت قيادات في الحزب الاشتراكي اليمني، تخوفها من اتفاق وشيك بين السعودية والحوثيين في مسقط، فيه ترتيبات لصالح الجماعة.

وقال القيادي في الحزب معن دماج، إن "زيارة المبعوث الأممي إلى مسقط ونائبه إلى عدن، والانباء القادمة من عمان تشير إلى وجود اتفاق يمكن الإعلان عنه خلال أسبوعين".

وأضاف معن "لا حاجة للحديث عن مضمونه ولا نتائجه المنتظرة، من المؤكد أنه يلبي الحاجة السعودية للنأي بالنفس، لكنه سيكون مسمارا في نعش اليمن".

وأردف "لا أحد يتوقع أن يقوم مجلس القيادة والحكومة بواجبهم في رفضه، وأولئك اللذين شتموا الرئيس السابق عبدربه منصور هادي وحكومته طويلا على اتفاق ستوكهولم - والذي كان قرارا سعوديا ايضا- لا يتوقع منهم أن يفتحوا أفواههم، رغم أن هادي كان في موقف أضعف وكانت القوات المتقدمة إلى الحديدة هي قوات خصومه الذين طردوه من عدن".

وأكد أن "المسألة بحاجة إلى أخذ قرار وتحمل نتائجه ومخاطره" قال إنه لا تقاس بمخاطر مواجهة الحوثي عام 2015 بدون شيء تقريبا، فميزان القوة اليوم أفضل بكثير".

تحذير أمريكي للسعودية من أي اجراء أحادي مع الحوثيين

وعلى نفس المنوال، حذر تحليل أمريكي، السعودية، من أي اتفاق أحادي مع الحوثيين، مؤكدا أن الرياض ستدفع فاتورة أي اتفاق أحادي مع الجماعة بشأن اليمن.

وقالت "أليسون مينور" التي شغلت مؤخرًا منصب نائب المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، في تحليل لها إن "العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن توفر أفضل طريق لمعالجة العوامل داخل اليمن التي تحفز هجمات الحوثيين، ولكن يجب أن يقترن ذلك بموقف موحد ومبدئي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وأضافت "يجب على السعودية أن توضح للحوثيين أنها لن تنخرط في صفقة جانبية تعرض العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة للخطر أو تمكن الحوثيين من الاستيلاء على حقول النفط والغاز في اليمن".

وأردفت: "يجب على الرياض بعد ذلك أن تعمل بشكل وثيق مع أعضاء مجلس الأمن لرسم موقف توافقي بشأن الهجمات البحرية الحوثية، بما في ذلك كيفية توافق هذا الموقف مع العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".

وأكدت أليسون مينور في مقالها أن هذا النهج هو في نهاية المطاف في مصلحة المملكة العربية السعودية، حتى لا تجد نفسها تدفع الفاتورة بأكملها لما من المؤكد أنه سيصبح مطالب الحوثيين المتصاعدة".

وقالت "مع تعثر العملية السياسية، قد يجدد الحوثيون محاولاتهم للاستيلاء على موارد النفط والغاز في اليمن بالقوة، مستفيدين من الزخم الذي خلقته هجماتهم البحرية. حيث يستخدم الحوثيون بالفعل هجمات البحر الأحمر لشن جهود تجنيد كبيرة ، بما في ذلك الأطفال".

واستدركت "قد يستغل الحوثيون أيضًا المخاوف السعودية والإماراتية بشأن تجدد هجمات الحوثيين على أراضيهم. ومن الممكن أن تفتح مثل هذه الهجمات جبهة جديدة كبرى في الصراع الأوسع في الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص، يمكن للحوثيين استغلال هذه المخاوف لضمان عدم قيام السعوديين والإماراتيين بتزويد حلفائهم اليمنيين بالدعم الجوي المباشر الذي لعب دورًا مهمًا في صد هجمات الحوثيين السابقة على حقول النفط والغاز".

واشنطن تقدم حوافز للحوثيين لوقف هجماتهم في البحر الأحمر

نقل وسطاء رسائل من الولايات المتحدة إلى المتمردين الحوثيين، تلقت فيها "حوافز" تشمل رفع الحصار عن صنعاء والحديدة وتسريع محادثات السلام، مقابل وقف الجماعة هجماتها في البحر الأحمر، حسبما ذكرت مصادر لصحيفة The Guardian.

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر/تشرين الأول، شن المتمردون اليمنيون، الذين يسيطرون على صنعاء والمناطق في الشمال والغرب، عشرات الهجمات على السفن الدولية في المياه الاستراتيجية قبالة اليمن.

وزعمت الحركة أن الهجمات نُفذت تضامنا مع الفلسطينيين وحليفتهم حماس في القطاع الساحلي، مطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية المدمرة، التي أودت بحياة أكثر من 34 ألف شخص.

 وقال مصدر سياسي يمني: "رداً على محاولات الجماعة اليمنية استهداف السفن الإسرائيلية، لم تلجأ الولايات المتحدة إلى العمل العسكري فحسب، بل سعت أيضاً إلى نقل مقترحات من شأنها تحفيز المسلحين على وقف هجماتهم".

“تم إرسال رسائل تحتوي على حوافز من الأمريكيين إلى الحوثيين في الأسابيع الأخيرة. وقد تم تسليم هذه الرسائل من خلال مبعوثين ووسطاء، بما في ذلك مسؤولون غربيون، حيث لعبت العاصمة العمانية مسقط أيضًا دورًا مهمًا.

ورفض المسؤولون الأمريكيون التعليق على الحوافز.

ومع ذلك، قالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، الأربعاء، إن إدارتها "شجعت هذا النوع من المناقشات غير المباشرة ثم المباشرة التي أدت إلى وقف الأعمال العدائية لمدة تزيد عن عامين".

وأضافت: "كل ذلك كان مشروعًا أكبر بالنسبة لنا، يتماشى مع مختلف الشركاء الخليجيين بدءًا من السعوديين، ولكن أيضًا العمانيين والإماراتيين، وما إلى ذلك".

وقالت السيدة ليف إن الولايات المتحدة "كانت لديها مناسبات بشكل دوري لإجراء مناقشات مباشرة مع الحوثيين، [لكن] ذلك تغير قليلاً، بالطبع، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما كلف الحوثيون أنفسهم بمهمة احتجاز جميع الشحنات التجارية العابرة للحدود بشكل أساسي". البحر الأحمر في باب المندب رهينة سعيهم لإثبات أنفسهم ضمن محور المقاومة".

وأضاف: "لا أستطيع أن أصف سياقنا بأنه نقاش قوي في هذه المرحلة لكننا نستخدم جميع أنواع الوسائل، بعضها دبلوماسي، وبعضها عن طريق إسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار، لثني الحوثيين عن مغامرتهم غير المدروسة".

وعززت الميليشيا المدججة بالسلاح قدراتها القتالية منذ بدء الحرب والصراع في البلاد عام 2014، مما يشكل تهديدا خطيرا لجيرانها. وحتى نهاية عام 2018، استخدم الحوثيون بشكل متكرر الصواريخ الباليستية التي استولوا عليها من مستودعات الجيش.

 لكن في السنوات الخمس الماضية، تحولوا إلى طائرات صغيرة بدون طيار طويلة المدى ومتفجرة يمكنها تجنب كشف الرادار.

إظهار النوايا الحسنة

وأدت هجماتهم في البحر الأحمر إلى تعطيل الشحن العالمي، مما أجبر الشركات على إعادة توجيه رحلاتها إلى رحلات أطول وأكثر تكلفة حول جنوب أفريقيا.

وقد أدى هذا الظهور كتهديد غير عادي لإسرائيل وطريق شحن استراتيجي إلى توجيه ضربات انتقامية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا منذ فبراير. كما صنفت واشنطن الميليشيا التي سيطرت على العاصمة اليمنية أواخر عام 2014 على أنها "جماعة إرهابية".

وأشار مصدر سياسي يمني ثان إلى أن الحوافز الأمريكية المقدمة للحوثيين "تشمل إجراءات لإظهار حسن نوايا واشنطن، مثل تسريع عملية السلام اليمنية، وإنهاء الحرب، ورفع الحصار بشكل كامل" عن مطار صنعاء وميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. .

"منطقياً، ستتطلب هذه الخطوات من واشنطن إعادة النظر في تصنيفها للحوثيين كمنظمة إرهابية وربما الاعتراف بسلطتها في بعض مناطق اليمن".

وامتنع المصدران عن التعليق على كيفية استجابة الحوثيين للحوافز سواء كانت إيجابية أو سلبية.

ويأتي الانخفاض في وتيرة هجمات الحوثيين في الوقت الذي تحاول فيه محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة البناء على هدنة غير معلنة في العراق لتوسيعها عبر المناطق المتضررة من الصراع في الشرق الأوسط. وشهدت الهدنة وقف هجمات الفصائل العراقية على القوات الأمريكية.

وذكرت مصادر سياسية يمنية أنه خلال "محادثات سرية غير مباشرة" أجريت مع الإيرانيين في عمان قبل نحو ثلاثة أشهر، كان هناك مسعى أميركي لإقناع طهران بالمساعدة في خفض تصعيد "الجبهة اليمنية".

هذا الأسبوع، قال تيم ليندركينغ، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، لصحيفة ذا ناشيونال في مقابلة إنه “في نهاية المطاف، تريد الولايات المتحدة العودة، والابتعاد عن الهجمات في البحر الأحمر من أجل وقف التصعيد، والحفاظ على السلام والأمن”. التركيز على السلام".

* قسم التحرير والمتابعة