تزامناً مع تحذيرات أممية من مجاعة .. الغلاء يجتاح اليمن على وقع طبول الحرب

حذرت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إيديم وسورنو من مجاعة في اليمن.

وقالت إيديم وسورنو -في إحاطة لمجلس الأمن الدولي، إن "مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية ارتفع في الأشهر الأخيرة، مما يشكل تهديدا حقيقيا ومتزايدا لحياة ورفاه الملايين من الناس في اليمن، وخاصة النساء والأطفال".

وأضافت إنه تعين تخفيض عدد الأشخاص الذين يتلقون المساعدات وحجم الحصص الغذائية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وتابعت أن برنامج الأغذية العالمي أوقف توزيع المساعدات الغذائية العامة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله في نوفمبر/تشرين الثاني، بينما واصل مناقشاته مع سلطات الأمر الواقع الحوثية بشأن من يجب أن يعطى الأولوية في المساعدة.

واستنادا إلى نجاح هذا المشروع التجريبي ورهنا بتوفر الأموال، سيتم استئناف توزيع الأغذية على نطاق أوسع.ونتيجة لذلك، قالت إيديم وسورنو إنه أمكن الوصول إلى 9.5 مليون شخص لم يتلقوا المساعدة منذ نوفمبر/تشرين الثاني.

حرب السفن.. الغلاء يجتاح اليمن على وقع طبول الحرب

 بدأ الاضطراب الشديد في حركة ملاحة البحر الأحمر بالانعكاس الواضح على الأسواق اليمنية، التي يجتاحها تسونامي الغلاء واضعاً غالبية العائلات في أوضاع معيشية حرجة، لا سيما في شهر رمضان الذي يتطلب من الصائمين تحضيرات استثنائية ليفرحوا بإفطارهم.

يتبع المواطن نجيب صالح نظاماً معيشياً مختلفاً لتوفير الاحتياجات الغذائية لأسرته، بخلاف ما كان متبعاً سابقاً على الأقل قبل نحو 3 أو 4 سنوات، وبتغيير جذري عن أسلوب حياته الذي كان قائماً قبل عام 2015.

يقول صالح، وهو من سكان صنعاء: "اعتدنا على تأمين احتياجاتنا المعيشية والغذائية لمدة تتراوح بين 15 و30 يوماً، حيث كنت أشتري أهم احتياجاتنا من دقيق وزيوت وسكر وأرز وتوابل بكميات تكفي لهذه الفترة، كشراء كيس أو نصف كيس "قطمة" دقيق زنة 50 كيلوغراماً، ومثلها بقية المكونات"، علماً أن أسرته المكونة من 8 أفراد كانت تحرص على إنتاج الخبز في المنزل مرة واحدة كل يومين تقريباً.

كان الهامش بسيطاً ومحدوداً لبعض الأسر في الاستدانة من متاجر بيع الغذاء لتوفير بعض الاحتياجات، بحسب صالح، في حين أن الخضراوات كان يشتريها كل أسبوع مرة، وكذلك الأمر بالنسبة للحوم والدواجن بالنسبة للأسر محدودة الدخل، بينما الأسر متوسطة وميسورة الدخل فقد كانت توفر على الأقل الدواجن بشكل يومي أو شبه يومي.

صالح وكثير من المواطنين يعمدون إلى شراء السلع الغذائية الضرورية بالتجزئة.

 فقد لجأ اليمنيون الذين يكابدون ظروفاً صعبة منذ نحو 10 سنوات إلى استراتيجيات تكيّف مبتكرة نتيجة تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية، فيما يجسّد رمضان ما تنتهجه نسبة كبيرة من العائلات التي تشتري حاجتها لوجبة الإفطار يومياً، وعلى رأسها الخبز والتمور.

في هذا الصدد، يقول المواطن بشير عبيد، إن الشراء أصبح بالكيلوغرام لتوفير الأرز والسكر، وكميات محدودة للاستهلاك اليومي، أو كل يومين إلى ثلاثة، من التوابل والبهارات، بينما يشتري المواطن سالم الشرجبي الخبز من الأفران التي تبيعه بالكيلو.

وتكالبت العديد من الأزمات على اليمنيين، وأحدثها ما يجري في البحر الأحمر والممرات المائية، في تطورات تؤثر سلباً على معظم الأسر اليمنية التي أصبحت نسبة كبيرة منها تعيش في وضع انعدام الأمن الغذائي، وتتبع استراتيجيات التكيف مع الأزمات يوماً بيوم.

وقد أظهر استطلاع ميداني، في عدة مدن ومحافظات، مثل صنعاء وعمران (شمالاً) والمحويت وحجة والحديدة (شمال غرب) والبيضاء ومأرب وتعز (جنوب غرب) وعدن وشبوة (جنوباً)، أن معظم الأسر تشتري ما تحتاج إليه يومياً بالتجزئة أو بالكيلوغرام.

وغالباً ما يتركز ذلك في بعض أصناف الخضراوات كالبطاطس وغيرها من الأصناف التي تدخل ضمن مكونات وجبة "السلتة"، أو مكونات وجبة "العصيد"، أو شراء الزبادي "الحقين" بحجم صغير، والذي يعد في رمضان من أهم مكونات وجبة "الشفوت"، في حين تشتري بعض الأسر في بعض المحافظات، خصوصاً الشمالية الغربية، حتى "الزيوت" و"السكر" بحسب احتياجاتها اليومية.

تغيير جذري في النظام الغذائي

في هذا الإطار، المختص في مجال التغذية خالد إسماعيل يشير، إلى أن الأوضاع الراهنة وتفاقم الأزمات أجبرت معظم الأسر إلى إجراء تغييرات جذرية في نظامها الغذائي بعدما اضطرت إلى خفض كمية ونوعية الغذاء والاعتماد على سلة غذاء أقل تنوعاً، حيث أصبحت كثير من الموائد شحيحة وتخلو في معظم الأيام من اللحوم والدواجن.

ويمثل العجز عن تحمّل التكاليف بسبب تضخم الأسعار عائقاً رئيسياً أمام الاستهلاك اليومي للغذاء في اليمن، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً تصاعدياً خلال الفترة الماضية بمستويات تتجاوز ما يستطيع اليمنيون تحمله تبعاً لدخلهم، حتى عند التوفيق بين أعمال متعددة، إذ لا تستطيع، رغم ذلك، الأسر التي يعمل فيها أكثر من شخص أن تتحمل تكلفة سلة الغذاء.

في المقابل، يتوقع خبراء اقتصاد ومتعاملون في الأسواق أن تكون هناك آثار لما يحدث في البحر الأحمر وباب المندب على أسعار الغذاء، حيث تشهد الأسواق المحلية ارتفاعات متصاعدة في أسعار الغذاء خلال شهر رمضان، وفقاً لما قال الباحث الاقتصادي رشيد الحداد.

ومع ذلك، يقول الحداد: "حتى الآن، لم نلمس تقلبات سعرية كبيرة في الأسواق الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء التي تشهد استقراراً في أسعار صرف العملة الوطنية، مقابل اضطراب سعر الصرف المتداول في أسواق المحافظات الجنوبية والتي تعد أحد عوامل عدم الاستقرار المعيشي".

وفي الوقت الذي يواصل الحوثيون استهداف سفن إسرائيل أو المتجهة إلى موانئها، وتكثيف الاستهداف خلال الفترة القليلة الماضية للسفن الأميركية والبريطانية، تؤكد وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء أن الوضع التمويني مستقر، وأنها تنفذ حملات ميدانية لضبط الأسواق بالتنسيق مع الغرف التجارية، فضلاً عن وضع آليات جديدة تنظم الرقابة، بما يضمن تحقيق أثر ملموس لدى المواطن.

كفاح لكسب لقمة العيش

وفي السياق، أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي نهاية العام الماضي 2023 أن كثيراً من الأسر، منذ ما قبل أزمة البحر الأحمر، تكافح لكسب لقمة العيش وتوفير تكاليف الغذاء والخدمات الأساسية، مبيّناً أن درجة استهلاك الغذاء لـ25% من الأسر اليمنية أصبحت في مستوى ضعيف، وأن درجة استهلاك الغذاء لدى 25% من الأسر في مستوى أضعف بكثير، ما يجعلها على حافة الحد الأدنى للأمن الغذائي.

كما تظهر بيانات البنك تبايناً كبيراً بين مناطق السيطرة في اليمن، حيث تعاني 28% من الأسر في مناطق الحوثيين من ضعف الأمن الغذائي، مقابل 18% فقط في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي محمد الحميري، أن اليمن يعاني مشكلة مزمنة في الأمن الغذائي انعكست على نمط الحياة المعيشية للمواطنين، وسط فشل ذريع للخطط الحكومية طوال السنوات الماضية، خصوصاً قبل عام 2015، في تقليص الفجوة الغذائية، حيث استمر الفقر بالتمدد بالتزامن مع توسع البطالة وضعف مستوى الدخل المعتمد على الوظائف الحكومية، في حين ساهمت الأزمات الناتجة عن الصراع، بالذات الانقسام المالي والنقدي، وأزمات النقل والشحن التجاري وقطع الطرقات، في ارتفاع الأسعار والتضخم إلى مستويات قياسية.

كما يبيّن أن ما يجري في البحر الأحمر له بالتأكيد تبعات على البلد الذي يستورد جميع احتياجاته، بما يجعل اليمن من أكثر الدول تأثراً باضطراب الأسواق الدولية وارتفاع تكاليف التأمين والشحن التجاري، نتيجة للأحداث المتصاعدة في المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وليس فقط بما يجري في البحر الأحمر وباب المندب.

تقشف وركود رمضاني.. "موسم الجبايات" يعصف بشركات صنعاء

 تواجه الشركات المحلية أياماً صعبة في شهر رمضان المبارك، فكما لم يسلم المواطنون بصنعاء وباقي المحافظات من تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية، لم تسلم الشركات هي الأخرى، صغيرةً كانت أم متوسطة أم كبرى، من كارثية الأوضاع والسياسات التي تنتهجها سلطة مليشيات الحوثي.

فقد فرضت الجماعة على الشركات واقعاً مُراً دفع البعض منها إلى اتخاذ درجات تقشف مالي قصوى، وأحدث اضطراباً في الأسواق وبيئة الاستثمار، نتيجة لسياسات "الفيد" وفرض الإتاوات لصالح الجماعة التي صُنفت مؤخراً كمنظمة إرهابية عالمية من جانب واشنطن، وبالتزامن مع تطورات العمليات العسكرية في البحر الأحمر.

 شركات تغلق أبوابها

مصادر قالت أن شركات يمنية بصنعاء تعتزم إغلاق أعمالها خلال فترة شهر رمضان ومنح موظفيها إجازة بدون راتب طوال الشهر.

المصادر أكدت أن سبب ذلك هو تكبد الشركات خسائر جسيمة وأعباء مالية إضافية نتيجة اضطرار سفن الشحن البحري التي تحمل بضائع الشركات لخوض رحلات أطول حتى الوصول إلى منطقة التوتر في البحر الأحمر والرسو على ميناء الحديدة.

 وأضافت المصادر أن الشركات المحلية تواجه مشكلة ارتفاع تكاليف التأمين مما يضيف أعباء مالية إلى عملية الاستيراد، فضلاً عن عزوف عدد من خطوط الملاحة العالمية عن التعامل مع عدد من الشركات المحلية امتناعاً عن الشحن والمرور من منطقة التوتر في الوقت الحالي، مما يهدد أعمال الشركات المحلية وكذا الوكلاء التجاريين في السوق اليمنية.

 وقال مصدر في شركة أدوية وكيلة، طلب عدم الكشف عن هويته وهوية الشركة، إن مخازن الشركة أصبحت شبه خالية من مخزونات الأدوية، ولم يعد متاحاً التسويق إلا لصنفين إلى ثلاث أصناف من الأدوية فقط، وهو ما يكبد الشركة خسائر كبيرة، ويضطرها لمنح الموظفين إجازة خلال شهر رمضان بسبب عدم القدرة على دفع أية رواتب أو حوافز أو أية مستحقات مالية أخرى عالقة.

 وتواجه الشركة صعوبات في الحصول على شحنة أدوية ضخمة بحسب ما قاله المصدر، كان مقرراً وصولها في بداية شهر يناير الماضي، وفق اتفاق سابق يعود تاريخه إلى شهر نوفمبر 2023، علماً بأن الشركة فرضت رسوماً إضافية على الشحن.

 ورغم تقديم شكوى إلى الغرفة الصناعية والتجارية في صنعاء بشأن تأخر الشحنة وفرض الرسوم، إلا أنه لم يستجد شيء بخصوص الشكوى ولا يزال الأمر قيد المتابعة وفق المصدر.

 وكانت الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء دعت الشركات التجارية والتجار المستوردين عبر ميناء الحديدة والذين لديهم شكاوى ضد الشركات الملاحية حول الرسوم غير القانونية التي تم فرضها على الحاويات، إلى رفع شكاوى للغرفة بها كافة التفاصيل، مضيفة في بيانها في فبراير الماضي أنها ستقوم برفع الشكاوى لوزارة النقل بسلطة الحوثي.

 مصدر آخر يعمل في شركة متخصصة في استيراد الأجهزة والمعدات بما فيها المعدات الزراعية، قال إن الشركة لجأت لمنح الموظفين إجازة بدون راتب تبدأ من منتصف شهر رمضان، ما يوافق 25 مارس الجاري، لنفس السبب، حتى يتم الخروج بحلول من قبل مجلس الإدارة، على أن تكتفي الشركة بتسليم موظفيها إكراميات مالية رمضانية.

 ومع استمرار استهداف حركة الشحن التجاري في البحر الأحمر وخليج عدن، تقول الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها إن اليمن يواجه عاماً سيئاً خلال 2024 على كافة المستويات، وإن سوء الأوضاع يتفاقم رغم انخفاض الأعمال العدائية مع الهدنة، حيث لا تزال الظروف الاقتصادية متدهورة على نطاق واسع، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المدنية، وانهيار الخدمات الأساسية، وهي المحركات الحاسمة لنقاط الضعف والاحتياجات في جميع أنحاء البلاد.

 ويذكر أنه في هذا الوقت من اضطراب الأوضاع المالية واستنزاف طاقات المواطنين، تزيد الطين بلة مساعي الجماعة لفرض ضرائب مرتفعة خلال شهر رمضان على عدد من القطاعات مثل العقارات والزراعة والبضائع المحلية والمستوردة بزعم العمل على تحسين الإيرادات.

 شركات صنعاء تتقشف

هذا العام تمتنع شركات القطاع الخاص عن الدعاية والإعلان أو رعاية البرامج الإعلامية في الإذاعات المحلية والشاشات الفضائية تهرباً من الضرائب والإتاوات المفروضة من قبل الضرائب والسلطات التابعة لجماعة أنصار الله بصنعاء.

 امتناع الشركات عن خوض أي تسويق خلال شهر رمضان يأتي ضمن سياسة "تقشف" تتخذها الشركات أثناء الشهر الكريم كما علمت النقار، رغم كونه أبرز المواسم السنوية التي تمتاز بتسابق الشركات الحكومية والخاصة للدعاية وإنتاج الإعلانات.

 مصدر مسؤول في شركة الهاتف النقال "سبأفون" قال إن الشركة لجأت لسياسة التقشف المالي قبل فترة من شهر رمضان، وأضاف أن "الشركة انكفأت على نفسها لتتجنب دفع الأموال للسلطات في رمضان".

وتابع المصدر حديثه: "الضرائب وغيرها من الجهات التابعة للسلطة ما إن ترى شركة أعلنت هنا أو هناك فهي تسارع إلى جباية أموال غير قانونية من الشركة، وهو ما دفع الشركة إلى تجنب تمويل برامج التسويق والرعاية الإعلامية، وإلغاء بنود مالية كانت قد وُضعت من قبل في سياسات الشركة حتى وقت قريب من العام الماضي".

وفي سياق الحديث عن التقشف، لا يزال المواطنون اليمنيون الأكثر تقشفاً في البلاد بالضرورة، مكتفين بتلبية أقصى الاحتياجات أهمية، وترك ما لذ وطاب من مظاهر الموسم الرمضاني، نتيجة صعوبة الأوضاع المعيشية وقطع المرتبات وغلاء الأسعار، فضلاً عن شريحة واسعة من المعدمين الذين لا يجدون قوت يومهم وما يسد رمقهم، ويعيشون صياماً متواصلاً طوال العام.