التطرف والتطرف المضاد
عندما نستعرض مفهوم التطرف والتطرف المضاد ونبحث عن طريقة نشأته ومن المستفيد من التطرف والتطرف المضاد، سواء كان دينياً او سياسياً، مناطقياً او مذهبياً، وهل نشأته في المجتمع الواحد طبيعي، أم ظاهرة غير طبيعية..
هنا يمكننا القول ان التباينات في المجتمع والاختلافات التي توجد في اي مجتمع في اطار الهوية الواحدة طبيعية، عندما تفرز نخب سياسية وطنية تستطيع ادارة خلافاتها وتبايناتها، وتتعايش على القواسم المشتركة وتحاول تقليص التباينات الى اقصى درجة ممكنه.
وعندما تكون التباينات قد وصلت الى درجة ان تظهر بشكلها المتطرف الذي يستدعي التطرف المضاد، الذي يتجاوز القواسم المشتركة والثوابت الوطنية، فذلك لايمكن ان يتم تفسيره إلا ان يكون للعوامل الخارجية غير الوطنية لها الدور الاكبر في تغذيته وتعميق أسبابه.
وظهوره بشكل حاد يكون في طرفي الصراع يرفعون من سقف مطالبهم لتصل الى درجة المطالب التعجيزية المتبادلة ومحاولة كل طرف اقصاء الاخر، والاستحواذ والسيطرة لمشروعة وعدم اللجوء الى وسائل الدولة المدنية الحديثة للفصل في القضايا الخلافية .
وهذا ليس غريباً اذا مانظرنا الى حقبة الاستعمار القديم والجديد، الذي سيطرت فيه مراكز النفوذ الامبريالية على الشعوب، من خلال زراعة التطرف الذي يعتمد على التباينات الموجودة في نسيج اي مجتمع وطني، كون ذلك يساعد المستعمر على أحكام سيطرته على الشعوب، ونهب ثرواتها وتحويل المجتمعات من بيئة يسود فيها السلام المجتمعي، بما يشكل مناخاً ملائماً للتنمية، وبناء الاقتصاد الوطني الى بيئة حاضنة للتطرف والتطرف المضاد، الذي ينتج عنه نسف وتمزيق النسيج الاجتماعي والوطني، وتحول المجتمع الى كيانات متنافرة ومتصارعة يسيطر عليها التطرف والتطرف المضاد الذي يتم تغذيتهما من مراكز النفوذ الاستعمارية للامبريالية.
ان تطور المجتمعات لايمكن ان يتم من خلال التطرف والتطرف المضاد الذي يعتمد على اقصاء الاخر المختلف او على الرغبة في اجتثاثه كليا، كون ذلك مستحيلا من ناحية ومن ناحية أخرى لا ينتج عنه الا المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والخروب ، لذلك ربما ان من واجب كافة النخب الوطنية سياسية او اجتماعية واكاديمية ان تعمل على محاربة التطرف والتطرف المضاد ورفع مستوى الوعي المجتمعي، لخلق فرص للتعايش وقبول الاخر والتمييز بان التطرف والتطرف المضاد يعتبران صنيعة خارجية ليس لها اي جذور وطنية، ويلعب في تعميق التطرف الاستعمار الحديث الحليف للامبريالية التي تبني اقتصادها على نهب خيرات ومقدرات الشعوب، من خلال البحث عن ارتباطات التطرف والتطرف المضاد بالتمويل الخارجي الذي يهدف الى ضرب القوى الوطنية. واي مشاريع وطنية جامعة تقف سدا منيعا ضد السياسات الاستعمارية .
وهنا يجب ان يلعب اليسار دورا اساسيا في محاربة التطرف والتطرف المضاد، ابتداء بالخروج من براثن التطرف الايديولوجي،.الى البحث عن القواسم المشتركة مع كل اطياف المجتمع بما فيها التيارات الدينية.
ونبذ الاستعداء المتبادل مع خصوم اليسار التقليديين الذين وقعوا ضحية التعبئة الخاطئة عن فكر اليسار وتوجهه السياسي .
اذ ان على اليسار عدم التعامل مع المتدينين جميعاً كشريحة واحدة، بل يجب التمييز بين التيارات الدينية المتطرفة المرتبطة بنشاريع عابرة للحدود التي ترتبط مباشرة بمراكز القوى الاستعمارية ويتم تمويلها لاهداف غير وطنية، وعامة الناس البسطاء الذين يشكل الالتزام الديني لديهم شاناً شخصياً.
ويمكن التوافق معهم على قواسم العيش المشترك، والثوابت الوطنية بعيداً عن التطرف والغلو في التطرف المضاد .
.. وللحديث بقية..
* د. عمـر العـودي